أظهرت نتائج استطلاع نُشر حديثًا، أنّ الأمريكييّن الأكثر تدينًا يرون عدم وجود صراع وتعارض بين الدين والعلم، لكن من وجهة نظرٍ أخرى، ألا يخدم العلم والدين كنافذتين مختلفتين لرؤية العالم من خلالهما؟ أليس الانتماء إلى أحدهما يجعلك أكثر قابلية لرفض وكراهية الآخر؟
إن جاوبت ب”نعم” فأنت لست إنسانًا متدينًا غالبًا، على الأقل حسب نتائج استطلاع الرأي.
قام مركز Pew للأبحاث باستطلاع للرأي عن الدين والعلوم، وتمّ هذا الاستطلاع بمشاركة أكثر من ألفي شخص وسؤالهم عن رأيهم في وجود صراع بين العلم والدين، وأولئك الذين جاوبوا ب”نعم، الدين والعلم في تصارع دائم” كانوا فعلًا من الناس غير المتدينين.
أظهر استطلاع Pew الحديث أنّ أغلبية المشاركين جاوبوا بوجود التعارض والصراع بين العلم والدين، بنسبة تصل إلى 60% وهي نسبة أكبر بقليل من نسبة العام الماضي. لكن عند دراسة الشخص المجاوب للسؤال سنجد اختلافًا أكبر، حوالي 76% من الأشخاص الغير متدينين كانوا يرون التعارض والصراع بين العلم والدين، لكن بين أولئك الأشخاص المتدينين-الذين يحضرون الدروس الدينية والصلوات على الأقل بشكلٍ أسبوعيّ- فقد كانت النسبة تصل إلى 50% فقط.
ربما تعتقد أنّ الأشخاص الأكثر تديّنًا قد يعلمون ما يعارض إيمانهم الخاص، لكن النتائج أظهرت أنّ العامل الأكبر هو افتراضات الأشخاص غير المتدينين من الأمريكيين، كما يقول روبرت.ب.جونز، أستاذ العلوم الدينيّة والمدير التنفيذي للمركز العام للأبحاث الدينيّة-مؤسسة غيرربحيّة.
“هؤلاء الأشخاص البعيدون عن الدين غالبًا ما يرون الصراع بشكل أكبر، وبسبب عدم معرفتهم بشكل وثيق لأشخاص متدينين، فهم لا يرون سوى ما يعرضه الإعلام، وينسون أولئك الذين لا يعتقدون بوجود الصراع مع العلم، يرون الحروب والجماعات الإرهابيّة، ويرون المعارك حول التطور والعراك على ما يجب وضعه داخل الكتب العلميّة، وخطابات المتطرفين الدينين. هذا هو وجه الدين بالنسبة لغير المتدينين، هذه الأصوات القوية الصادحة في الإعلام تصرخ بوجود صراع أبديّ بين العلم والدين.”
ولكن يقول جونثان هيل- باحث علوم اجتماعيّة في جامعة كالفين- أنّ الأمريكيين المتدينين يدعمون العلم بصورة كبيرة، وحسب الاستطلاع الأخير فهم يريدون أن تقوم الحكومة بالمزيد من الاستثمار في العلوم، وأنّ رؤيتهم وأفكارهم الدينيّة تحمل أثرًا ضعيفًا على معتقداتهم العلميّة وآرائهم في آخر التطورات العلميّة، كالتجارب الطبيّة، الأعضاء البيولوجيّة المصنّعة في المختبر، الأغذية المعدلة وراثيًا، التغيير المناخي واستكشاف الفضاء أيضًا. نحن لا نقول أن التعارض والصراع غير موجود، لكنّ على الأقل فإنّ معظم الأشخاص المتدينين لا يرون العلم كعدوٍّ لهم، بل على العكس فإن الخشوع يغمرهم بملاحظة هذه الاكتشافات العلميّة الحديثة. أكثر ما يُقال أنّه معارض للدين في أمريكا هو: التطوّر الدارويني يليه مشكلة الإجهاض ثم نظرية الانفجار العظيم. إذًا فيمكننا القول أنّ المتدينين المتعلمين لا يختلفون عن أقرانهم اللاأدريين والملحدين، وأنّهم يقومون فقط برفض نظريّات بشكل انتقائي لاختلافها مع أفكارهم وعقائدهم الدينيّة،
يعتقد هيل أن الأرقام الموجودة في نتائج الاستطلاع عالية حقًا، وأنّ الأشخاص الذين يرون بوجود التعارض هم أقل بكثيرٍ مما تظهره النتائج، وذلك حسب خبرته في الأمر لأعوام وهو يقول ” هذا السؤال بالذات يحتاج مقياسًا شديدًا الحساسية، فالإجابة تختلف باختلاف كلمات محددة، ويجب انتقاء السؤال بشكلٍ موضوعيّ”.
أحد أهم العوائق أو محددات هذه الاستطلاعات هي وضعها الأشخاص في مواجهة خيارات محددة مسبقًا، إمّا أنّ العلم والدين متعارضين، أو لا. كثيرٌ ممن يختارون التعارض قد يعنون شيئًا آخر، وكتب هيل “ما قد يعينيه بعض الأشخاص أنّ لا وجود لعلاقة بين العلم والدين أصلًا، هما مجالان منفصلان لا يتفاعلان مع بعضهما”. هذا القصور في هذه الدراسة يبدو واضحًا عندما تعطي الخيار الثالث – عدم وجود أي صلة بين المجالين- وهذا ما فعله فهيل في ورقته “الدراسة الوطنيّة للدين وأصل البشر-National Study of Religion and Human Origins”. حيث سئل المشاركين نفس السؤال، بإضافة خيار ثالث ” العلم يدرس الحقائق، أما الدين فمجاله الإيمان، هذان المجالان منفصلان ولا يؤثران ببعضهما.” ثلث المشاركين اختار الجواب الثالث. لو أنّ استطلاع Pew قدّم الخيارات نفسها لوجدنا أنّ نسبة أولئك من يقولون بوجود التعارض والصراع بين العلم والدين أقلّ بكثير.
كلّ ذلك يدّل أننا كبشر نعرف أقل مما نعتقد عن أولئك الذين يفكرون بشكلٍ مختلف عنّا، أيًا كان طرفهم.
يمكنك قراءة نتائج استطلاع مؤسسة Pewبشكل كامل ومفصل من خلال الرابط هنا.
المصادر الأخرى:
اضف تعليقا