ملاحظة: نُشر هذا المقال لأول مرة على موقع إضاءات
عندما تسير وحيدًا في الصحراء في ليلةٍ صافية، ستبهرك السماء بكل هذه النجوم اللامعة التي تزين حلكةَ الليل، وقد تردد ما قاله أبو العلاء المعري:
وسهيلٌ كوجنةِ الحِبِ في اللو نِ وَقلبِ المحبِ في الخفقانِ
ضرجتهُ دمًا سيوفُ الأعادي فبكَت رحمةً له الشعريان
اهتمّ العرب قديمًا بالنجوم التي كانت دليلًا لهم في سفرهم وترحالهم، حفظوا خريطة السماء، وأطلقوا على النجوم التي كانت بمرمى بصرهم أسماء لا زالت تحتفظ بها حتى اليوم.
لنستكشف معًا قصة النجوم، كيف وأين تتشكل،مما تتكون وكيف تختلف الألوان التي تصدرها؟
السدم، حيث تولد النجوم
تولد النجوم في غيومٍ من الغبار، وذلك في جميع أنحاء المجرّات الواسعة، هذه الغيوم هي السُدم، سحاباتٌ منخفضة الكثافة، تحتوي الغازات والغبار. تبدأ الحرارة بالازدياد شيئًا فشيئًا عندما تأثّر هذه المكونات على بعضها بسبب الجاذبية المتبادلة بينها، وبتشكل كرةٍ من الغبار والغاز في السحابات الدوارة، نحصل على ما يُسمى “النجم الأولي Proto star”والذي سيكبر يومًا ما ليصبح نجمًا، أما بقية الغاز والغبار المتجمعة حوله في السديم فإنها قد تتحول لتصبح كواكب ومذنبات وكويكبات، أو تبقى كما هي، مجرّد غبار.
في بعض هذه الحالات تكون كتلة هذه النجوم الأوليّة صغيرةً، وتفتقد للتفاعلات الحرارية النووية، لذلك يكون ضوؤها خافتًا وتُسمى «الأقزام البنيّة Brown Dwarves» للإشارة لحجمها وطاقاتها الضئيلين مقارنةً بغيرها من النجوم. أما النجوم التي تملك كتلةً أكبر من شمسنا، فإنّ أحجامها تستمر في الصغر، ويبدأ الهيدروجين بالتحول إلى هيليوم، وهذا ما يُعرف بالاندماج الحراري النووي، في هذه المرحلة تتحول تلك الأجسام إلى نجوم جديدة، وتبدأ المكوّنات السديمية حولها بالتجمع لتشكّل بعد مليارات السنين نظامًا شمسيًا متكاملًا.
ما هي النجوم؟ ومم تتكون؟
النجوم هي كرات مضيئة من البلازما تشدّ نفسها بواسطة جاذبيتها الخاصة، أقرب نجمٍ لأرضنا هو الشمس الخاصة بنا، وكثيرًا ما نرى عددًا من النجوم بالعين المجردة في سماء الليل الصافية، كأضواء مجمعةٍ في نقطةٍ مركزية واحدة، وذلك لبعدها الشاسع عنّا، وتمّ تقسيم هذه النجوم إلى كوكباتٍ (constellations) ومجماتٍ (Asterism).
الكوكبات هي مجموعة من النجوم التي تكوّن شكلًا ما في السماء، يوجد 88 كوكبةً تغطي كافة أنحاء القبة السماوية، وقد قام هنري راسل بمساعدة اتحاد الفلكيين العالمي في 1922 لتقسيمها، واحتفظت بعض هذه الكوكبات بالتسميات التي أُعطيت لها منذ القدم من الحضارات المختلفة، كما في كوكبة الجبّار، الأسد والعقرب.
أما المجمّات فهي مجموعة من النجوم تُرى في سماء كوكبنا، وقد تكون من كوكبةٍ واحدةٍ أو تنتج من أكثر من كوكبةٍ معًا، وقد لا تختلف التسمية كثيرًا بين “مجمة” و”كوكبة”، فمثلًا، تُسمّى ألمع سبع نجماتٍ في كوكبة الدب الأكبر بالاسم نفسه: أي مجمة “الدب الأكبر”، وقد تُستخدم كلمة كوكبة للتعبير عن النجوم والمنطقة من القبة السماوية المحيطة بها، بينما تُستخدم كلمة مجمة للتعبير عن النجوم فحسب.
مم تتكون النجوم إذًا؟ ربما لن تكون مستغربًا عندما تعرف أنّ النجوم تتكون من نفس المواد التي تكوّن كوننا، فهي تتألف تقريبًا من 73% هيدروجين، و 25% من الهيليوم أما ال 2% الأخيرة فهي تختلف باختلاف النجوم، إذًا النجوم تتشابه في معظم العناصر المركبة لها.
في البداية كان الانفجار العظيم، من حواليّ 13.7 مليار سنة، وُلد كوننا، وكان وضعه مشابهًا لمركز نجم، شديدُ الحرارة والكثافة، ولوقتٍ قصيرٍ حوّلت التفاعلات النووية الهيدروجين الموجود إلى هيليوم لنصل إلى النسبة التي نراها اليوم بينهما. واستمرّ الكون بالتوسّع وأخذت حرارته تنخفض، ثم بدأ الهيدروجين والهيليوم بالتجمع معًا لتشكيل النجوم الأولى، كانت هذه النجوم هائلة الحجم وربما انتهت بمستعرات عظيمةٍ Supernovae بعد ملايين السنين من تشكلها، بعض هذه النجوم شكّلت العناصر الأثقل التي نجدها على أرضنا اليوم، كالأوكسجين، الكربون، الذهب واليورانيوم.
منذ ذلك الحين وحتى الآن تتزايد النجوم وتتكاثر بعددٍ كبير، فحسب الفلكيين هناك خمس نجومٍ جديدةٍ تتشكل في درب التبانة كلّ سنة، تختلف بعضها بالعناصر الثقيلة التي تحملها، فتكون النجوم الغنيّة بالمعادن أمّا الأخرى فهي الفقيرة بالمعادن، ذات كتلةٍ أخفّ.
لماذا تشعّ النجوم بكلّ ذلك الضوء؟ يعود ذلك ببساطةٍ إلى التفاعلات النووية التي تجري داخلها، تفاعلات اندماج تحوّل الهيدروجين إلى هيليوم في مركز هذه النجوم، محررةً طاقةً تشعّ إلى الفضاء الخارجي، لمعرفة كيف تعمل هذه التفاعلات يمكنك مشاهدة الفيديو هنا.
اللمعان والطيف وهيرتزشبروج-راسل
يستطيع الفلكيون تحديد كتلة النجم، وعمره وتركيبه الكيميائي عبر مراقبة اللمعان الناتج عنها والطيف الخاص بها. تكون كتلة النجم ذات أهميّةٍ خاصة، لأنها تحدد المسار التطوريّ للنجم ونهايته الحتميّة لاحقًا. أما الخواص الأخرى، كالحرارة والحجم، فكلّها تتغير طول حياة النجم، ويوّضح مخطط هيرتزشبروج-راسل العلاقة بين عمر النجم ومرحلته التطورية مع حرارته ومقدار اللمعان الذي يشّعه.
لمعرفة هذا المخطط علينا أن نفهم أولًا ماذا يعني «الطيف» Spectrum.
الطيف هو النتيجة التي تحصل عليها بعد أن تقسم الضوء القادمة من جسمٍ مشعٍ إلى ألوان محددة أو أطوال موجيّة خاصة، لكنّ الطيف الذي نحصل عليه من نجمٍ ما هو عبارةٌ عن جمع طيفين مختلفين، فالنجوم هي كراتُ غازٍ مستعرةٍ تطلق طيفًا مستمرًا، أي أنّها تطلق ضوءًا في جميع الأطوال الموجيّة، لكنّ لهذه النجوم غلافٌ جوي محيّط بها، أي طبقاتُ غازٍ رقيقة أعلى الطبقات الكثيفة الداخلية، وتمتصّ هذه الطبقات الضوء عند أطوال موجيّة معيّنة حسب العناصر الموجودة فيها، وبالتالي نحصل على طيف مستمرٍ منبعثٍ من النجم، يحوي نطاقات مظلمة وفراغات، حسب العناصر المختلفة التي تمتص أطوال موجيّة مختلفة.
في البداية تمّ تصنيف النجوم حسب قوة نطاقات الهيدروحين، حيث أُطلق على الأقوى النجوم A والأقل B ثم C وهكذا، لكن في عام 1901 طُرح نظامٌ جديد، أسقط بعض التصنيفات القديمة، وأعاد ترتيب صفوف النجوم حسب قوّتها والشكل الناتج عن النطاقات المختلفة الممتصة من طيفها، هذا النظام قدمته لنا الفيزيائيّة آني كانون Annie Cannon .
ثم أضاف الفيزيائي ماكس بلانك حلّه لاختلاف الأضواء المنبثقة من النجوم، حيث أن النجوم تبعث أطوالًا مختلفة الموجة والألوان تبعًا لحرارتها، فالنجوم الحارة تشع ضوءًا في النهاية الزرقاء من الطيف، بينما تشعّ النجوم الأبرد ضوءًا يصل ذروته في النهاية الحمراء من الطيف. ثم جاءت سيسيليان باين جابوشكين Cecilia Payne Gaposchkin، عالمة الفلك البريطانيّة الأمريكيّة، وفي دراسة الدكتوراه التي طرحتها، شرحت كيف أنّ الطيف الذي يشعّه النجم يختلف حسب حرارته، والعناصر التي تتواجد في غلافه الجويّ، وهكذا استطاعت أن تنير طريق الفلكيين في اكتشاف تركيب النجوم المختلفة وخصائصها الفيزيائية المختلفة.
وبعد إعادة الترتيب أصبح التصنيف مختلفًا، وهو ما يزال يستخدم حتى اليوم، ولكن بالترتيب التالي : النجوم الأعلى حرارةً أخذت الرمز O يليها B ثم AوFو Gو Kو M. قد يبدو ذلك غريبًا، ولكنّ ذلك مايحدث عند إعادة الاستخدام.
كلّ مجموعةٍ من هذه المجموعات يتم تقسيمها إلى عشرة تحت مجموعات حسب حرارتها، كما أنّنا اكتشفنا بعض النجوم ذات الحرارة الأقل، وأعطيت الأحرف Lو T و Y. وتبلغ درجة حرارة سطح شمسنا 5500 درجةً مئويّة، وتصنّف G2،النجم الأكثر لمعانًا في سماء الليل يُصنّف كنجم A0.
اضف تعليقا