الذكاء هو القدرة على التكيف مع التغيير.
ستيفين هوكينج
لا يفتأ هوكينج بالتجول بين ميادين العلوم المختلفة، تاركًا وراءه خط الأفق والثقوب السوداء وأشعته التي تصدرها، لينتقل ويتحدث عن الذكاء الاصطناعي وخطره، فقد حذر الفيزيائي النظري من قبل، هو وثلة من المفكرين الآخرين، مثل سام هاريس وإيلون ماسك، عن خطورة الذكاء الاصطناعي والتطوّر السريع الذي يحدث في هذه الصناعة، وأكّد على وجوب وضع قواعد راسخة لضمان سلامة جنسنا البشري بعد وصول تلك الآلات إلى المرحلة التي ستستغني فيها عن خدماتنا، أو ما يعرفه راي كورزوايل بـ«المتفردة» Singularity، مستعيرًا هذا المصطلح من صديقه هوكينج وعلم الفلك.
وحسب هوكينج، فإنّ إمكانية حصول كارثة كبيرة على كوكب الأرض تؤدي إلى هلاك الجنس البشري هي احتمال مطروح في كل سنة، ولكن عندما ننظر إلى الأمر بعدسة مبعدة، لنرى الصورة الأكبر، فإنّ احتمال هلاك البشر واندثار البشرية يصبح مؤكدًا خلال ألف عام أو عشرة آلاف عام على الأكثر.
وقد قرع هوكينج أجراس الإنذار هذه، وحذّر عن النهاية القريبة ومخاوفه في محاضرةٍ في اتحاد أوكسفورد، ونبّه البشريّة جمعاء:
لا أعتقد أن باستطاعتنا أن ننجو لمدة 1000 عام قادم دون الهرب خارج كوكبنا الهش.
ولذلك فإنّ هوكينج هو من الداعمين لفكرة خروج البشر من كوكبنا الأزرق الصغير والانطلاق إلى الفضاء الواسع، داعمًا بذلك جهود إيلون ماسك، الذي وعدنا بإمكانية استعمار المريخ بشكلٍ كامل وجعله قابلًا للحياة خلال القرن القادم، وجهود ناسا التي تبحث عن الكواكب المشابهة لكوكب الأرض، وكيبلر يبدي الكثير من النجاح في البحث عن هذه الكواكب، رغم كونها بعيدةً عنا حتى الآن وحتى أقربها يوجد على بعد 4 آلاف سنة ضوئية ونيّف في بروكسيما سانتوري.
لن نصل إلى المريخ قبل 100 عام، علينا أن نكون حذرين فعلًا وألّا نخلق مشاكل جديدة تُسّرع من نهايتنا الحتمية:
ستيفين هوكينج
ولكن ورغم دعمه لماسك، فهو يذكر الجنس البشري أنّ الطريق سيأخذ مئة عام، وهناك الكثير من الأشياء السيئة التي تحدث الآن والتي يمكن أن تحدث بشكلٍ أسوأ، التغيير المناخي والاحتباس الحراري الذي ينكره الآن الحزب المسيطر في أمريكا –مرحبًا ترامب– والأسلحة النووية والتطور الهائل في صناعة الأسلحة الروبوتية، ولذلك علينا أن نكون حذرين فعلًا كي لا نؤدي إلى انتهاء جنسنا بأخطاء بسيطة وبشكل غير متوقع، قبل أنّ تصبح البشرية «جنسًا عابرًا للكواكب».
وقد حذر هوكينج سابقًا عن احتمال فناء جنسنا بسبب الحرب النووية، والفيروسات المعدلة جينيًا وحتى الاحتباس الحراري، وحذر من مستقبل روبوتي سيعاني فيه أطفالنا من مواجهة الاحتباس الحراري الخطير.
وفي حديثه عن الذكاء الاصطناعي، يعتقد هوكينج أنّ قدرة الحواسيب على محاكاة الأدمغة البشرية ستزداد، حتى تتفوق عليها يومًا ما، وأننا سنرى نتائج ذلك مع صعود المساعدات الشخصية والسيارات الذكية، وها هو ألفا جو منذ فترة قصيرة يتغلب علينا في أعقد لعبة بشرية.
ورغم ذلك يعتقد هوكينج أن كلّ ما يحصل ليس سوى قشرةٍ بسيطة بالنسبة للمستقبل القادم في هذا المجال. ولا ينكر الفيزيائي النظري المشهور أنّالذكاء الاصطناعي قد يكون أفضل شيء حصل للبشرية، فبهذه الثورة التقنية سنستطيع أن نمسح بعض الآثار السيئة التي تركتها البشرية على الطبيعة، وربما نتخلص أخيرًا من الفقر والأمراض. لكن ذلك لا ينفي الآثار السلبية المحتملة، مثل الأسلحة الذكية التي تستخدم في قتل البشر -ولو أن البشر الآخرين يشغلونها الآن فنحن لا نعلم استمرار ذلك في المستقبل- وربما يريد الذكاء الاصطناعي في المستقبل أن يتخلص من سيطرتنا عليه، والانطلاق في البحث عن حريته، وكنصيحة شخصية يمكنكم مشاهدة مسلسل Westworld الذي يتناول فكرة الذكاء الاصطناعي والعلاقة المتبادلة بيننا وبينهم.
باختصار سيكون الذكاء الاصطناعي القوي أفضل إنجازاتنا أو على العكس تمامًا، أسوأ شيء حصل للبشرية.
ستيفين هوكينج
ورغم الصورة الكئيبة، يضيف هوكينج القليل من الأمل إلى تصريحه الأخير:
إنّ صورة الكون في مخيلتنا وعلومنا قد تغيّرت كثيرًا في الخمسين سنة الأخيرة، وإنني سعيد لاستطاعتي المساعدة وتقديم جزء ضئيل في معرفة البشرية. إنّه من الرائع حقًا أننا نحن، الجنس البشري، مجرد جسيمات صغيرة في الطبيعة، استطعنا أن نقترب إلى هذا الحد من فهم القوانين التي تحكم الكون الكبير، هذا بحد ذاته انتصار عظيم لنا.
فهوكينج سعيد بالتقدم الذي يحصل في المجالات المختلفة، وقدرتنا على رسم خريطة مفصلة للكون بواسطة الكمبيوترات الخارقة، التي ستساعدنا على تحديد مواقع ملايين المجرات في كوننا، مما سيساعدنا في معرفة مكاننا الحقيقي في الكون، وربما يومًا ما نستطيع فعلًا أنّ نستخدم فهمنا لموجات الثقالة والعودة لنفهم الانفجار العظيم بشكلٍ أكثر تفصيلًا.
وفي محاولة لرسم صورةٍ أقل كآبة، يقول هوكينج في تلك المحاضرة ذاتها:
تذكروا دومًا أن تنظروا إلى النجوم عاليًا بدل النظر إلى الأرض، حاولوا استيعاب ما ترونه، والتفكير في ما يجعل هذا الكون مستمرًا في الوجود، ابقوا متيقظين وفضوليين، ورغم صعوبة الحياة، هناك دومًا شيء تستطيع القيام به والنجاح، علينا ألّا نفقد الأمل وألّا نستسلم أبدًا.
قد يبدو الأمر مخيفًا بعض الشيء، لكن لا شيء أفضل من إيقاظ الإنسان مبكرًا ودفعه لإصلاح أخطائه وربما..ربما، النجاة من الهلاك القادم، هذه المرة ليس من نيزك خارجي، بل من البشريّة نفسها.
اضف تعليقا