رغم تطور العلم في المجالات المختلفة، وخاصة الطبيّة منها، إلا أنّ هناك حالات غريبة مازالت تحيّر الأطباء في كل مكان في أنحاء العالم، نستعرض معاً عدّة حالات غريبة ونادرة.
متلازمة الرجل الحجريّ-Fibrodysplasia ossificans progressiva
تروي الأساطير الإغريقية القديمة القصص عن الميدوسا الفاتنة وتحويلها الرجال لتماثيل حجرية، ماذا لو كان ذلك واقعاً فعلاً؟ أن يصبح أحدهم تمثالاً؟ ولكن ليس بسبب الميدوسا، بل بسبب طفرة جينية في الجين ACVR1 التي تسبب مرضFibrodysplasia ossificans progressiva(خلل التّنسج الليفي التعظميّ المتقدّم).
هذه الجينة مسؤولة عن تحول النسيج الغضروفي إلى عظمي مع التقدم في العمر. يتواجد هذا ا لجين أيضاً في العضلات والأوتار العضلية والأربطة وينظّم النمو والتطور في هذه الأنسجة المختلفة، لكن الطفرة التي قد تحصل في هذا الجين تؤدي إلى نتيجة كارثية، حيث يسمح عندها بتعظّم الأنسجة الأخرى، فتتحول بذلك العضلات الهيكلية إلى عظام، وتندمج المفاصل مع بعضها وتفقد قابليتها للحركة، فيواجه المريض صعوبة في فتح فمه، ويُصاب بسوء التغذية لضعف قدرته على تناول الطعام، كما أنّ التنفس يصبح صعباً لزيادة النسيج العظمي حول رئتيه.
للأسف لا يوجد علاج لهذه الحالة حتى الآن، والجراحة التقويمية التي تهدف لنزع النسيج العظمي المتشكّل تأتي بعكس أهدافها، فهي تنشّط تشكّل العظم في المنطقة التي تمّت الجراحة عليها!
تصيب هذه الطفرة شخصاً بين كل مليوني نسمة، وخلال عقد واحد من الإصابة يُعتبر المريض غير قادر على التحرّك بمفرده، وتحوّله بذلك إلى تمثال حجري، من الداخل.. إلى الخارج!
مع اقتراب فصل الشتاء، الذي يحبّه البعض ويكرهه الآخر، لكن هل فكرت يوماً بوجود حساسية من البرد؟
“شرى البرد” المصطلح الطبي لهذا المرض الغريب، فمجرّد تلامس المريض مع الماء البارد، أو حتى التعرّض للهواء البارد، يسبب إحساساً بالحكّة وتورم مكان التعرّض، وظهور لطخات جلديّة مميزة لتلك الحساسية.
يُصنّف هذا الشرى مع الأنواع الأخرى من الحساسية كالحساسية للنحل والفستق، التي تؤدي لتحفيز إفراز الهيستامين. في بعض الحالات، قد ينتهي الأمر بتورم لسان وحنجرة المريض، مما قد يسبب وفاته! رغم عدم وضوح سبب هذه الحساسية إلا أنّها تتحسن باستخدام مضادات الهيستامين المستخدمة في الحساسيات الأخرى.
في الجهة المقابلة، ويم هوف الهولندي البالغ من العمر 48 سنة، لا يعرف أثراً للبرد على جسمه! يُسمى برجل الجليد “Ice Man”، فقد استطاع بشجاعة فائقة أن يركض في 1990 لمسافة 100 ميلٍ في القطب الشمالي حافي القدمين! ثم غاص تحت الجليد في 2002 في القطب الشمالي مرتدياً فقط بزة السباحة، ثم في مغامرة لاحقة، تسلّق قمة إيفرست مرتدياً سروالاً قصيراً فقط!
متلازمة اليد الغريبة- Alien Hand Syndrome
“أن لا تعرف يدك اليمنى فعل اليسرى”، هي أيضاً حالة مرضيّة تسمّى متلازمة اليد الغريبة.
تتصرف اليد في هذه الحالة بشكل مستقّل عن إرادة صاحبها، ممسكةّ أشياء ومحركةً أخرى بدون قصد المريض. لا يُعرف سببها بشكل دقيق، ولكنها تحدث غالباً بعد أذيات دماغية أو تدخلات جراحية على الجسم الثفني (وهو قسم تشريحيّ في الدماغ يصل بين نصفي الكرتين المخيّتين). رغم عدم وجود علاج لهذه الحالة، إلا أنّ الأعراض تتقلص إن أبقى المريض اليد المصابة مشغولة بنشاط مستمّر، كأن يقبض على شيء ما مثلاً.
حساسية الماء -Aquagenic urticaria
الماء، الذي يشكّل 60% من جسمنا، قد يسبب حساسيةً وشرىً أيضاً. لحسن الحظ هذه الحساسية نادرة جداً، ولم يتمّ تسجيل 100 حالة منها حتى الآن. رغم خطورة هذه الحساسية إلا أنّ سببها مجهول تماماً، لكن بعض الفرضيات تقول أنّها تحدث في أولئك الذين يملكون نسبة عالية من الهيستامين في دمهم. لك أن تتخيل صعوبة حياة أولئك القلّة المصابين بهذه الحالة، السباحة، الاستحمام وحتى التعرّق والدموع تسبب ظهور هذه الآفات الجلدية والإحساس بالحكّة والألم! يعتقد البعض أن سبب الحساسية ليس الماء نفسه، لكن مواد كيميائية أو شوائب معينة تؤدي للإصابة بهذه الحالة، والتي تُعالج ب Capsaicin موضعياً للتخلص من الألم.
متلازمة المستذئب Werewolf Syndrome
في هذه الحالة الغريبة النادرة أيضاً، يمتلك الشخص إنتاجاً غزيراً للشعر في كل مناطق الجسم بما في ذلك الوجه، ولايفرق هذا المرض بين رجل أو امرأة أو طفل، وبسبب هذا المظهر فقد تمّ تسمية الحالة بمتلازمة المستذئب. معظم هذه الحالات وراثية تنتج عن أكثر من طفرة جينية، لكن تمّ ذكر بعض الحالات التي نتجت كعرض جانبي لاستخدام أدوية الصلع(احذر مماتتمنى، ففي كل زيادة نقصان!)
تتضمن المعالجة التخلص من الشعر، رغم أن العلاج بالليزر وإزالة الشعر بالشمع لاتعطي نتائج طويلة الأمد.
متلازمة الرجل الشجرة -Epidermodysplasia Verruciformis
يعاني المصاب بهذه الحالة المرضية من تنبتات جلديّة تشبه لحاء الشجرة، طبياً يُسمّى هذا المرض”خلل تنسج البشرة الثؤلولي”، وهو فعلياً عبارة عن ثآليل تنمو على الجلد ويزداد نشاطها ونموّها بالتعرض لأشعة الشمس.
رغم أنّ هذه الثآليل قد تكون بسيطة في البداية إلا أنّها قد تصبح سرطانيّة مع تقدّم العمر. تظهر هذه الثآليل بسبب طفرة جينية في جينات EVER1\EVER2 والتي لم يُفهم عملها حتى الآن، لكن الطفرات فيها تجعل الجلد أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات الحليمية المسببة للثآليل مسببة هذا المرض الذي لا تسببه عادة في الإنسان السليم. حتى الآن لايوجد أي علاج للحالة.
متلازمة اللكنة الأجنبية -Foreign Accent Syndrome
لهجتك تكشف الكثير عنك، وتختصر معرفة منشأك وأصلك، لكن ماذا إن تغيّرت فجأة؟
متلازمة اللكنة الأجنبية “Foreign Accent Syndrome” تؤدي إلى تحدّث الشخص بلهجة غريبة عن بلده، وتظهر هذه المتلازمة بعد تعرض الشخص لجلطة أو أذية دماغيّة أو حتى صداع الشقيقة الحاد.
يعاني المصاب بهذه الحالة من تغيّر مكان اللسان أثناء النطق. إحدى الحالات المصابة هي مريضة تدعى سارة كولدويل، بعد إصابة هذه المواطنة البريطانية بصداع شقيقة حاد، استيقظت في المشفى متكلمة بلكنة تشبه اللكنة الصينية، رغم أنّها لم تزر الصين من قبل!
العلاج لهذه الحالات هو التدريب الكلامي والنطق المستمر لإعادة الدماغ إلى سابق عهده في استخدام اللغة.
متلازمة مصاص الدماء – Xeroderma pigmentosum
يحتاج الشخص الطبيعي إلى التعرّض لأشعة الشمس من أجل تصنيع وتثبيت فيتامين D، لكن التعرّض الزائد للأشعة فوق البنفسجية للشمس يضرّ بالجلد وقد يسبب أوراماً خبيثة أحياناً. لكن في كل مليون شخص، يوجد شخص يعاني ممّا يُسمى “جفاف الجلد المصطبغ” Xeroderma pigmentosum، في هذه الحالة الغريبة يكون تحمّل الشخص لأشعة الشمس فوق البنفسيجة ضعيفاً جداً، أيّ أن تعرض بشرته لأشعة الشمس ولو بكمية قليلة قد يؤدي إلى حروق شمس وتأذي الجلد بشكل كبير، مما قد يطوّر أوراماً خبيثة عنده فيما بعد. لذا يحاول هذا الشخص تفادي الشمس كليّاً، ومثل مصاصي الدماء يعيش في ظلام الليل خوفاً على نفسه من الموت!
سبب هذه الحالة هو طفرة جينية متنحيّة لبعض أنزيمات ترميم الحمض النووي منقوص الأوكسيجن DNA، حيث تعمل على تصحيح المناطق الجينية في ال DNA التي تتعرض للأذية بسبب الأشعة فوق البنفسجية، أما هؤلاء المصابين بالطفرة، فإن الأخطاء في الDNA تتراكم ولاتتصحح.
الحلّ الأمثل لهؤلاء المرضى هو تجنّب الشمس لضمان صحة بشرتهم.
الفَيل -Elephantiasis
انسداد الأوعية اللمفيّة يؤدي في هؤلاء الأشخاص إلى تضخّم وتورم الجلد والأنسجة اللينة معه، ويصيب هذا المرض الأطراف والخصى، وقد يكون هذا المرض الأكثر انتشاراً في هذه اللائحة الغريبة بأكثر من 40 مليون مصاب.
يسبب هذا المرض طفيّليّ ينتقل بواسطة البعوض، وللقضاء على المرض لابدّ من القضاء على هذا الطفيلي، وذلك يتمّ بواسطة أدوية معيّنة، ويؤدّي التدّخل المبكر لنتائج مثالية، لكن في حالة إصابة الخصية، فإن المريض قد يحتاج إلى عملية جراحية للتخلص من هذا الانسداد.
متلازمة الجثمان السائر(الميت الحيّ)-Cotard’s Delusion
الحالة التي سنتحدث عنها تُعتبر اضطراباً عقلياً، حيث يعتقد الشخص، صادقاً، أنّه يفتقد بعض أعضاء جسمه، كالدماغ مثلاً، وفي بعض الأحيان يعتبر الشخص نفسه ميتاً. تأتي هذه الحالة نتيجة اكتئاب مزمن أو اضطرابات نفسية أخرى، كالفصام أو اضطراب ثنائي القطب. يعمد المصاب إلى عدم تناول الطعام أو الاستحمام، ويقضي معظم وقته في المقابر، معتقداً أنّه جالس بين بني نوعه، أي الأموات!
رُبط هذا الاضطراب بخلل في المناطق الدماغية المسؤولة عن إدراك واقتران المشاعر والتعبيرات الوجهية، مما يسبب انفصالاً عاطفياً ويُذهب أيّ حسٍ للشخصية عند نظر المصاب إلى جسده. تُستخدم بعض الأدوية لمعالجة هذه الحالة، لكن العلاج بالصدمات الكهربائية أبدى فائدة أكبر في بعض الحالات.
الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من عباده ..!
أعان الله عباده المصابين أيضاً !
آمين ..
مقالة رائعة لكن دائماً ما يراودني سؤال عن سبب ظهور أغلب هذه الحالات و انتشار الطفيليات و الفيروسات و ظهور خلل في المورثات في ما عدا الدول الشرقية و بالأخص الشرق الأوسط أم أن بلداننا تتكتم على مثل هذه الحالات الغريبة ؟
هناك بلدان تنتشر فيها أمراض أكثر من أخرى، والمشكلة أن بلداننا ليست بالتطور الكافي لمراقبة هذه الأمراض، يوجد علم كامل لدراسة انتشار الأمراض يدعى “علم الوبائيات” Epidemiology