فيكتور هيجو: الأب الروحي للشرير الضاحك
كلّ من يعرف باتمان يدرك تمامًا أهميّة عدوه التاريخيّ اللدود: الجوكر. حسب الإنترنت فإنّ الشخصيّة من بنات أفكار بيل فينجر، وبوب كين وجيري روبنسون، الذين استلهموا الفكرة من بطل فيلم “الرجل الضاحك”، وهو فيلم صامت إنتاج عام ١٩٢٨ مُقتبس من رواية بنفس الاسم لفيكتور هوجو.
ولكن لم يرد الثلاثة أن يكون الجوكر عدوًا عاديًا، أرادوا علاقة تحدٍ مثل علاقة موريارتي وهولمز، فلم يكن الجوكر يريد مصلحته فحسب، بل يريد اختبار باتمان في كلّ خطوةٍ على الطريق المؤدي لموت أحدهما. وهكذا وُلد الجوكر في ١٩٤٠.
بعد أكثر من عشر سنوات كُتبت إحدى أهم القصص التي تشرح “أصل” ظهور الجوكر، كيف وصل شخصٌ عادي إلى هذه المرحلة من الشرّ. فكان الشخص العادي، والذي لم نعرف له اسمًا -آرثر فليك هو الاسم الوحيد المعروف بعد الفيلم السينمائي- يحاول سرقة مليون دولار، ليغرق بعدها في المواد الكيميائيّة ويخرج بوجه أبيض شاحب وشعر أخضر ويبدأ بالضحك ولا يتوقف.
المزحة القاتلة
هذه الرواية المصوّرة هي الأكثر إثارةً بين قصص الجوكر، فهنا نرى جانبًا إنسانيًا جديدًا لم نعهده للشخصيّة. فهو زوجً محبّ، كيميائي يعمل ليلًا نهارًا للحصول على قوت يومه، ولكن الوضع الاقتصادي سيء. ليشارك بعدها في عملية سرقة. في يوم السرقة نفسها تموت زوجته الحامل، ويجبر عندها على الاشتراك رغم انهياره النفسيّ ويجبر على ارتداء القبعة الحمراء. ويهرب بعدها من باتمان ويغطس في بحيرةٍ، تبين أنها مكب نفايات كيميائيّة.
وبذلك يتحول الكيميائيّ إلى جوكرٍ، بعد خسارة كل شيء، بعد انهيار كلّ حياته أمام عينيه.
الفيلم: خواكين فينيكس وتود فيليبس
إذا تركنا الكوميكس جانبًا-هناك الكثير عن الجوكر ولن أستطيع كقارئ كوميكس سطحي شرحها- وشاهدنا الفيلم، فسنلاحظ تأثير الكثير من القصص بالإضافة لأشياء أصليّة خرج بها تود فيليبس.
ولمن لم يشاهد الفيلم، فهنا سأقوم بحرق الأحداث، يُرجى أخذ الحذر!
يبدأ الفلم بآرثر فيلك الذي يحاول القيام بعمله، رغم تعرضه للمضايقة من الأطفال، ورغم ضربهم وإهانتهم له لا يزال يختلق أعذارًا ليسامحهم. وبعد ذلك نعرف أنّه مريض نفسيّ، يتناول بعض العقاقير التي لم أستطع تمييزها، هل استطعتم؟ وتخبره المساعدة الاجتماعيّة في النهاية أنّ الدولة ستغلق المنشآت النفسيّة ولن يستطيع آرثر الحصول على دواءه.
هنا يحاول الكاتب أن ينبهنا لأهميّة دور المجتمع في مساعدة المصابين بالاضطرابات النفسية، وإن تخلى المجتمع عنهم فهو الخاسر، يتحوّل هؤلاء لمهاجمة اولئك الذين تخلوا عنهم بطريقة أو أخرى. وهذا ما يحصل بالفيلم أيضًا، يخسر آرثر عمله وثم يكتشف أنّه ابن توماس واين، المُرشح لمنصب عمدة جوثام. المواجهة بين توماس وآرثر تفقد الأخير باقي الأمل، حيث يتهم توماس والدة آرثر بالجنون وأنّه هو، مُتبنى.
التحوّل
ويتبقى شخصية الأب الثانيّة المميزة لدى آرثر وهي مقدم البرامج التلفزيونية موري (روبرت دي نيرو). يتلقى آرثر الاتصال من دي نيرو ليشارك في البرنامج، وهنا تبدأ عملية التغيير في الشخصية.
علينا أن نتذكر الآن: آرثر لا يأخذ أدويته، تم رفضه من توماس واين واتهام والدته بالجنون وأنه مُتبنى. يتوجه آرثر ليجد أنّه بالفعل، يوجد ملف لوالدته في مصّح آركام للأمراض العقليّة، وأنّه تعرض للاضطهاد والاعتداء من قبلها وقبل أصدقاءها خلال طفولته، ما أدّى إلى إصابته بالتالي بالمرض العقلي ومعاناته بعدها مع اضطراب التقلقل العصبي.
بعد ذلك يتجسد التغيير الحاصل في دماغه، ليتخلص من كلّ من اعتدى عليه، ويبدأ بوالدته، ثم يتوجه لموري، حيث يخطط لقتل نفسه على الهواء مباشرةً. خلال الفيلم كرر آرثر تمنيّ أنّ يعني موته شيئًا أكبر من حياته.
“I just hope my death makes more cents than my life.”
وكلّ من شاهد يعرف ماذا حصل بعدها، بدأت التظاهرات وأعمال العنف تعمّ مدينة غوثام وبدأ الخراب الذي تسبب به آرثر بقتل الشباب الثلاث الذين أرادوا الاعتداء عليه، ولكنّ العامل المؤثر والمعاكس كان ردّ فعل توماس واين، الذي وصف فقراء غوثام ب”المهرجين”.
في النهاية يُصبح جوكر بشكلٍ غير مقصود، وهو يعلم ذلك، رمزًا للثورة على النظام القائم. ثورة وهيجان فاشل لا يعنيه أيّ قيم. هل هذا سيء؟ طبعًا، لكن علينا أن نتذكر هذا هو “الجوكر” من باتمان!
هل كنت تتوقع أنّ يكتب تيد فيلبس سيناريو ليجعلك تتعاطف مع أعمال الشر؟ طبعًا لا.
دراسة حالة
الفيلم هو دارسة حالة لشخصيّة مريضة حاولت في البداية التأقلم مع المجتمع، كان يعمل، يزور المساعدة الاجتماعيّة، يتناول دواءه، كل ذلك لم يفده شيئًا بعد أن قرر المجتمع معاملته بقذارة.
نحن ما زلنا لم نفهم المرضى النفسيّن حتى الآن، ونحاول معاملتهم بشكلٍ لا يتناسب مع المرض والاضطرابات التي تصيبهم. لا يمكنك أن تطلب من مريض باركنسون أن يركض، ولا يمكنك أن تتوقع من مريض نفسيّ أن يفكر كما تفكر أنت.
‘The worst part about having a mental illness is people expect you to behave as if you don’t.’
من مذكرات آرثر فليك
فقدان الدعم الاجتماعي والنفسي، معرفة سبب مرضه، تخلي المجتمع وشخصيّة الأب عنه (موري وواين) كلّ ذلك حفّز جوكر للقيام بما قام به: الفوضى.
يبقى السؤال: هل الاسم الحقيقي لجوكر هو آرثر فليك؟ بعد أنّ عرفنا أنه متبنىً يبدو أن الجواب : لا، مازالت شخصيّة الجوكر الحقيقيّة بدون اسم، بدون ماضٍ حقيقي، بدون أصل.
العلاقة بين آرثر وجارته، طريقة مشي آرثر قبل تحوّله وبعدها، كلّ ذلك، كل تلك اللمسات جعلت الفيلم تحفةً حقيقيّة.
تمثيل خواكين وأداؤه الفنيّ كان تحفةً، تقليده للمرض العصبي لا يقلّ روعة عن ذلك، ألوان الفيلم، التصوير كلّها ترتقي إلى درجةٍ عالية لا تتوقعها من فيلم لم يُكلّف أكثر من ٥٥ مليون دولار.
الموسيقى كانت رائعة، يمكنك الاستماع إليها هنا :
هل أنصحك بمشاهدته؟ نعم! هل أتمنى أن يفوز فينيكس بالأوسكار؟ أكيد!
هل شاهدت الفيلم؟ ما رأيك؟ أضف للتدوينة من خلال تعليقاتك.
[…] فرزت المتجه أكثر لعلم النفس حاليًا يحكي لنا أكثر عن الجوكر قد يحوي المقال الممتع حرقًا للفلم الأخير الذي أحدث […]
[…] كتبت تدوينة كاملة تحوي حرقًا لأحداث الفلم، وأعرض فيه رأي بشكل كامل. إن شاهدت الفلم، ما هو رأيك؟ هل أعجبك؟ […]
[…] لماذا نتعاطف مع الأشرار؟ يمكنك أيضًا قراءة مراجعتي للفلم من وجهة نظرٍ طبيب عصبيّ في قسم […]
شاهدت الفيلم هذا الأسبوع ثلاث مرات، كنت سأكتب عنه، ثمَّ تذكرت أنني قرأت العنوان في مدونتك دون أن أقرأ النص لول
لا أستطيع أن أصف أداء فينيكس السوبر رائع الخارق، فكرّت كم من المُؤسف ألا يحوز الأوسكار بعد فيلم كهذا!
لا أعرف لم لا يجب أن يتعاطف المُشاهدين مع فينيكس، من ما يقارب 100 دقيقة من الفيلم كان 85% منها يتحدث عن طفولته الصعبة وحياته السيئة جدًا وتوالي المصائب فوق رأسه، لو كنا نستطيع أن نرى الوجه الآخر والرأي الآخر لكنا أكثر تعاطفًا، لا تُعطي الحياة الوجه الآخر بسهولة، لذلك يقع هذا على عاتق المُتلقي.
هناك حوار على تيد، عن هذا الموضوع بالذات، كيف يصنع المُجتمع المُجرمين بمحض نفسه، ثمَّ يتذكر بعد فوات الأوان أن يحاول مُعالجة السلوك الشاذ لهم، والذي يكون التعاطي معه سيء بالمُجمل..
هناك عدة مقاطع أثرت بي، هل لاحظت كيف كان يصعد الدرج بتثاقل بينما كان “آرثر” ولكنه نزله بسهولة عندما كان “الجوكر”؟ كذلك عندما رسم إبتسامته في الدم الذي ينزُّ من فمه؟ الكثير من المشاهد تستحق إعادة النظر بها، التمثيل الإخراج الحبكة كل شيء مُذهل..15/10
فعلًا، لكن المشكلة نحن لن نتعاطف إلا مع من نعرف. مشهد الدرج كان مميزًا جدًا لذلك وُضع في التشويقة، بل وأصبح معلمًا سياحيًا!
https://www.nytimes.com/2019/10/31/movies/joker-stairs-bronx.html
لا أظن التعاطف يشمل أحد في هذا الزمان..
[…] من هنا وهناك الأصلية من واثق وصلت إلى العدد السادس: عن البرمجة والكتابة والجوكر. […]