في طرابلس! يرحب بي “البازين” !

ركبت في السيارة مع العم الذي اصطحبني من المطار، وجرى بيننا الحديث التالي.

-“كيفك يا عمو شو أخبارك؟ إن شاء الله تمام؟ كيف كانت رحلتك؟”

-“الحمدلله تمام عم، بتحكي سوري تمام! الرحلة طويلة شوي حوالي سبع ساعات بس ماشي الحال”.

-“أي لكان بحكي سوري وشامي كمان! هلق بتشوف طرابلس، شو رأيك بالبلد؟”

-“والله يا عم ما بعرف هلق وصلت، المطار عادي بس لنشوف البلد بنعرف!”

-“يا أهلا وسهلاً بالسوري يا أهلاً وسهلاً”.

وصلنا إلى منزل العم، الفيلا الكبيرة المؤلفة من عدة طوابق وكراجاً يحوي أربع سيارات، تعجبت من هذا الأمر ! لكني سأعرف فيما بعد أن العائلات الميسورة الحال الليبية تملك سيارة لكل فرد!

الصالة الجلوس عبارة عن “مربوعة” أي بطانات مفروشة على الأرض بطريقة عربية ويجلس عليها الضيوف وأهل الدار.

amasi10

تفضل يا السوري تفضل يا محمد، لا أحب أن ينادوني باسم محمد، ليس عدم محبة بالاسم وهو اسم رسولي الكريم، ولكن في الكلية في فئتي الدراسية كنا أكثر من سبعين محمداً! فكان التعريف عنّا باللقب أو الاسم الثاني، فرزت في حالتي.

الرجل و أصدقاؤه و أبناؤه و أقاربه يتحدثون باللغة الليبية(العربية) وأنا لا أفقه شيئاً، وكل ما أتمناه أن يرتفع صوت التلفاز قليلاً لأسمع لغةَ أفهمها.

قال الرجل” حان وقت الغذاء، شن تبي تتغدا يا محمد؟” “أي شيء موجود يا عم” جاوبت و أنا لا أعرف أني قد وقّعت بهذه الكلمة على صكٍّ خطير!

“هل تعرف البازين؟ قلت لعمك لح نطعميك بازين وانت توكل شنو رايك؟”

“شو هاد؟”

“بازين يا عم ، هلق بتشوف!”

بعد دقائق قليلة جاء الصحن الكبير و وضع على الأرض، نعم إنه البازين! إنه شيء مخيف! برغل وأشياء كثيرة مخيفة لا أعرف ما هي، ولحم! وكل شيء و مرقة حمراء!

“تفضل محمد”

“لاء شكراً أنا شبعان عم!” مرعوباً من منظر البازين، ضحك العم في وجهي وتحدث بكلمات لم أفهمها مع ضيوفه. “لاتخاف محضرينلك رز مخلط، وعُصبَان”.

الرز المخلط هو رز مع المكسرات، العصبان هو السجق أو “القشة” كما يسمونه في سوريا! لم أكل العصبان أبداً، وهي تحوي الحد “الهريسة” كما تسمى في ليبيا، لكن تذوقتها و كرعت معها كأسين من الميرندا البرتقالية!

تغذيت والحمدلله شبعت! ثم نظرت إلى البازين، حيث يأكل الرجال! معي كان أولاد العم يأكلون، أما البازين، فقد أكله العم وضيوفه..عليك أن تشمّر بيديك إلى المرفقين وتغطس في الصحن، مع أيد البقية! نعم ! شيء مخيف! لا أريد تذوق البازين أبداً أبداً أبداً!

قام ابن العم بصب الشاي المغربي بالطريقة الليبية الجميلة، هو نوع من الشاي الأخضر لكن يختلف عنه، يقوم المضيف بحمل الإبريق عالياً وصب الشاي في الكأس من فوق حتى تظهر الرغوه البيضاء فوق الشاي الأخضر الفاتح، ثم يسألني ابن العم “باهي؟” أجاوب “باهي!” باهي تعني ماشي الحال؟ فالحال ماشي كما رأيته!

شربنا الشاي وأكلنا الرمان، وهي عادة ليبية بعد الغذاء و جلسنا براحتنا على بطانيات المربوعة، حتى جاء خالد..

قصتي مع خالد، الشاب الذي كرهت في الحلقة القادمة!