استيقظت باكراً، كما هي عادتي عندما أنام في مكان جديد، لم ألبث طويلاً حتى أيقظت مناف للاستعداد للذهاب إلى عمله كي نذهب معاً، نركب نفس “الإيفيكو” لنصل إلى ساحة الشهداء، من هناك هو سيكمل مشياً باتجاه مقر صحيفته، أما أنا فأركب إيفيكو آخر ينزلني أمام الكلية العتيدة.
ذهبت إلى مدير شؤون الطلاب الذي أخبرني بوجوب الانتظار مزيد من الوقت، ولكن يمكنني حضور الدروس السريرية في المشفى! لذلك، قررت أن أحضر تلك الدروس، لعلّي أستعيد شيئاً مما ضاع منها.
خرجت من الكلية بحثاً عن المشفى، صادفت فتاةَ تحمل معطفاً أبيض، لابدّ أنها تدرس في السنوات السريرية، “مرحباً أين أجد المشفى؟” بلغة بين الفصحى والعامية، فلغة ليبيا هي لغة أخرى، ابتسمت قليلاً وقالت لي :
“what do you want?”
“can you tell me where’s the hospital please?”
وأعطتني الإشارات والطرق للوصول للمشفى الضخم الذي كان أمامي لكن لم ألمحه!
“Are you from Turkey ?”
“No, I am from Syria!” وحملت حالي ومشيت!

من أكبر المشافي التي تدربت فيها

من أكبر المشافي التي تدربت فيها


توجهت إلى المشفى الكبير، أبحث عن المجموعة الثالثة آ حيث كان حظي ونصيبي! لم أعرف أين أبدأ في هذا المبنى الضخم، لذا قررت أن أدخل الطابق السفلي في قسم الباطنة. تمشيت قليلاً حتى رأيت وجهاً لم يبدو ليبياً لي، سألته عن وجهتي، ابتسم وقاللي لي “سوري ماهيك؟” أجبته” أي وحضرتك سوري كمان؟”
“لا أنا فلسطيني بس كنت ساكن بسوريا”
تجاذبنا أطراف الحديث عن سوريا وليبيا وما بينهما، ثم عدت للموضوع الأساسي ألا وهو أين يجب أن أكون؟
“الدوام هلق بيكون لح يخلص، بنصحك تروح الجلدية وتحضر اليوم وتسأل، بكرا بتعرف أكثر”
حملت حالي وذهبت لقسم الجلدية! طبعاً دخلت مع الطلاب الذين رأيتهم يدخلون وتبعتهم خلسة، لكني كنت واضحاً كعين الشمس! كلهم يرتدون المعاطف البيضاء الطبية، وأنا أرتدي معطفي الأسود الشتوي!
بدأ الأستاذ الطبيب بفحص المرضى وشرح الأعراض الجلدية للطلاب، كثير من الأمراض كنت لازلت أذكرها، فالجلدية عندنا مادة في السنة الرابعة، واسألو طلاب الطب عنها يخبروكم كم هي رائعة! (قدمتها مرتين، لكني أحرزت امتيازاً في المرة الثانية)
طلب الطبيب من الطلاب فحص المريض، ثم طلب مني ذلك! قمت بالفحص على السريع، حيث أني لم أكن مجهزاً بمعداتي الطبية. بعد انتهاء الدرس وقبل أن ينصرف الطلاب نظر الأستاذ إليّ وسألني من أين أتيت! أخبرته أني تهت في البحث عن المجموعة الثالثة اللعينة القسم آ ! ما كان منه إلا أن ابتسم وضحك، سألته مالمشكلة؟ “هذي المجموعة 3 آ يا بني ”
أصبح لوني وردياً ، لكن لا بأس وكما يُقال “يا محاسن الصدف” مجموعة من خمسين طالباً فيها فقط عشرة حضور ستة ذكور وأربع إناث!
لأكون أنا الرقم 11 !
انتهى الدرس، ذهبت إلى محل عمي لألتقي “س.” و”ر.” صديقتاي اللتان شاركتاني في غربتي، جلسنا وأخبرتهما عن ما حصل في الجامعة وبدأتا بتطميني بأنه لا بد أن يحصل شيء حسن في النهاية، نعم لقد حصل “حسن” لكن بعد قليل!
بعد أن جربت حظي في العمل كبائع عطورات ومستحضرات تجميل لليبيات، كان انطباعي أني قد أكون جيداً يوماً ما إذا تركت مهنة الطب واشتغلت على بسطتي الخاصة.
كانت الساعة الثالثة ظهراً، اتصل بي صديق أبي، العم حسن، “وينك فرزت؟ لح انطرك حد المدينة الجامعية الساعة 5″”
“تمام بشوفك”
عدت إلى المدينة الجامعية إلى غرفة صديقي الديري، شربنا الشاي وأخبرته عن يومي، قال لي “ليش مابتحضر معنا أطفال مو أحسنلك؟”
“خليني هالكم يوم جرب بالجلدية وبشوف”
الساعة الخامسة، جهزت إحدى حقائبي، واستعديت للنزول للقاء العم حسن، الذي لم أره منذ خمسة عشر عاماً.