في بحث عن ملجئٍ لطلب العلم وللاستمرار في الحياة، للتقدم والعودة لبناء الأوطان تحصل مواقف تُبكي وتُحزن، كما تحصل مواقف تُفرح وترسم الابتسامة.
في الطريق إلى مصر، المشهد الأول: السفارة المصرية – أبو ظبي:
تدخل طالبة الطب التي خرجت من سوريا الممزقة بدمار الحرب تاركةّ مقعد الدراسة في بلدها الذي سكنته وأحبته، إلى السفارة المصرية بعد القرار الذي أصدره الرئيس السابق المصري وسمح للسوريين النقل في الجامعات المصرية و ساووهم في المصاريف مع المصريين.
“أريد السفر إلى مصر لمتابعة الدراسة”
“تفضلي هذا الطلب، اكتبي المعلومات المطلوبة فيه”
تنظر إلى الورقة التي أُعطيت إيّاها، “تأشيرة دخول”..تنظر إلى الموظف سائلةّ “هذا الطلب لي فقط؟ “
“نعم، أنتِ فلسطينية، لابدّ أن تُقدمي طلباً للحصول على تصريح للدخول، قد تحصلي عليه وقد تخفقين في ذلك!”
تنظر متعجبةّ، “لماذا؟”
“لأسباب أمنية”
المشهد الثاني، مصر ، الطريق إلى الجامعة، المكان :إدارة الوافدين طنطا:
تدخل إلى المكتب الموجود في الطابق الثالث، في المكتب الرابع في الجهة اليسرى، ذلك الموظف ينظر  والشرر يتطاير من عينيه
تتوجه إلى مكتبه وهي لا تعرف أنها ستندم على ذلك!
“مرحبا، بدي انقل من جامعة دمشق لطنطا، طب بشري”
“القرار لايشملكم، فقط السوريين”
تنظر إلى السقف البالي ثم تعيد النظر للموظف ذو الابتسامة الصفراء الشريرة “أنا فلسطينية سورية، تعرضت لنفس ظروف السوريين، وقادمة من سورية أيضاً”
” جنسيتك فلسطينية، خلاص مفيش كلام” بنبرة متكبرة متعالية.
لقد مرت بهذه التجربة من قبل، عندما كانت تتنتقل بين المكاتب التعليمية التابعة للوافدين بين القاهرة وطنطا قبل أن يقرر الموظفون أن القرار يشمل كل من قدم من سوريا.
المشهد الثالث، مصر، نهاية التسجيل، القاهرة، المكان: إدارة الوافدين القاهرة:
تدخل بعد النهار السابق الذي أمضته في انتظار ورقة اللامانع من السفارة السورية ، سأكتب عن ذلك لاحقاً عن تجربتي الشخصية، وبعد التعب والعودة من طنطا إلى القاهرة في الطريق الذي يستغرق أكثر من ساعتين، تتوجه إلى الموظفة المسؤولة عن السوريين، تبتسم تُخرج الورقة، تعطيها للموظفة،
“ورقة اللامانع من السفارة السورية”
“لكن أنت فلسطينية،، توجهي للسفارة الفلسطينية وليس للسورية”
“ليس لي اسم فيها! أنا جوازي سوري، وأجدده من السفارة السورية، وكل معاملاتي الشخصية من هناك!”
“اذهبي للسفارة الفلسطينية واطلبي منهم ورقة تُثبت أنك لست تابعة لهم”
-بين معترضتين، تخلي عن انتمائك؟ كلام لايُقال ولايُفهم-
تتوجه إلى السفارة الفلسطينية، تكتشف أنّ السفارة تعطيها ورقة اللامانع! تتساءل عن حقّها المسلوب، في جواز سفر فلسطيني، في دخول أراضي فلسطين، في الدراسة في جامعة بلدها !
المشهد الرابع، المكان السابق نفسه، المفاجأة الثالثة
” كم رسوم التسجيل في السنة؟”
“رسوم الوافدين العادية كاملة”
“لكن أنا قادمة من سورية!”
“أنت فلسطينية، لا معاملة ممثالة للمصريين، أنت فلسطينية”
تُرددها كالتهمة الصفراء الباهتة، الجنسية أصبحت عبئاً علينا..
“ولدت في سوريا، أبي وأمي وُلدوا في سوريا، عشت في سوريا كل عمري”
“جنسيتك فلسطينية، لاأفهم غير ذلك”
“الفلسطينين لا يدفعون سوى نصف الرسوم أليس كذلك؟”
“فقط الغزاويين، أنت لست من غزة، الرسوم كاملة”
المشهد الخامس، امتحان أو لا امتحان، هذا هو السؤال، بين طنطا والقاهرة أربع ساعات من السفر يومياً :
بعد عدم معرفة القرار الرمادي، بين الرسوم الكاملة وبين المعاملة كالمصريين، قامت بتقديم طلب استثناء للمعاملة كالسوريين. اضطرت صديقتنا للسفر بين القاهرة وطنطا مرتين من أجل ورقة قدمتها لكنها كانت ضائعةَ بين الدروج المكاتب البيروقراطية!
لم يكن مسموحاً لها بالدخول للامتحان ، فلا يدخل الامتحان إلا من ملفه كامل، تقدمت بالطلب للجامعة ثم لإدارة الوافدين في طنطا ثم في القاهرة.
“لا أريد أن أحصل على النتيجة، فقط الامتحان كي لا أخسر السنة !”
كان الرفض ساحقاً ولا يعرف التراجع!
لكن بعد بذل الجهود والتعب المستمر، على مسؤولية عميد الكلية في طنطا، ومدير شؤون الطلاب، تم السماح لها بتقديم الامتحان، لكن كل هذا حصل في مدة أسبوعين قبل الامتحان! ولك أن تتخيل كيف كانت الدراسة، مع التهديد بعدم الامتحان، أو عدم القبول !
بعد كل هذه الصعاب والتسجيل في الكلية والامتحان بطريقة لسنا معتادين عليها، وإنجاز ما ينجزه المصريون في سنة خلال أشهر..المشهد السادس، طنطا ،، مديرية الأمن في الغربية:
“لقد طلبت الحصول على إقامة في طنطا منذ حوالي أربعة أشهر، ولم تصل حتى الآن؟”
“أنتِ تحتاجين موافقة أمنية، لم تصدر حتى الآن”
تخرج متعجبة ، لا تعرف ماذا تقول أو تفكر، أصبحت طالبة الطب الفلسطينية السورية تهديداً للأمن المصريّ ولدولة مصر العظيمة ! وهي الآن بإقامة سياحية مؤقتة ستنتهي قريباً، ولاتدري ماذا تفعل!
 
السؤال القوي، هل يستحق السوريون والفلسطينون هذا؟
القصص كثيرة، ولا تنتهي وقصة زميلتنا ليست إلا مثال على ما يعانيه الطالب الذي خرج من مناطق الحرب في بلده.
الإنسانية، تلك الكذبة البيضاء، نحن قمنا بتأليف تلك الكذبة، ثم صدقناها.
التدوينة السابقة مقتبسة من مشاركة زميلة بتصرف.