الساعة الخامسة صباحاً، مشفى الجلاء ، السرير السادس كنتُ راقداً، عمري لا يتجاوز اليوم. أبي والعم حسن يشربان الشاي معاً والابتسامة تعلو وجهيهما، “مبروك أب فرزت”
يحملني ويلقيني في حوض السباحة، أصرخ وأعيط بأعلى صوتي “عم أغرررق” يبتسم ويقول لي “خليك رجال ولو” أبقى أصرخ حتى يمسكني من يدي ويخرجني من المسبح. العم حسن مرة أخرى.
أعانقه والدموع تنزل على خديّ النحيلين المكتسيين بحمرة خفيفة، “بدي شوفك مرة تانية عموو تعا معنا ع سورية”
يبتسم ويحملني ثم يقول “لح نشوف بعض أكيد عمو فرزت، أنت لح تجي لنا شو رأيك؟” أضحك وأهز برأسي  الصغير.. هل كنتُ أعرف أني سأكون في ليبيا مرةً أخرى.
الساعة الخامسة، أنتظر أمام المدينة الجامعية انتظر العم حسن. يرن الهاتف، ” وينك عمو؟ ماني شايفك؟ أنا بالسيارة البيضا” أنظر والتفت لأرى سيارةَ بيضاء قادمة من بعيد.
غريب هوالشعور الذي يعتريك عندما تفكر بتلك السنوات، خمسة عشر عاماً مرت على آخر لقاء بيننا في مطار طرابلس الدولي، لا زلت أذكره ، العم المفضل في ليبيا.
تقف السيارة، يخرج منها رجل في الخمسين من عمره، ينظر إليّ يبتسم، يعانقني.. لقد تغيير كثيراً، جسمه الرياضيّ القوي أصبح جسماً هزيلاً نحيلاً، السكريّ، ذلك المرض الذي لا علاج له، كم يغييرنا!
“ما متغير وجهك كتير عمو فرزت، متل ما أنت، دغري عرفتك سبحان الله”
“ههه،اي والله يا عمو، كمان عرفتك دغري ، بس أنت نحفان منيح”
وأخذنا نتحدث في السيارة عن الدراسة وسوريا والإمارات وأبي !
وصلت إلى منزله، هذا هو اليوم الثاني عشر لي في ليبيا، بدون استحمام! وجدت زوجته وأطفاله بانتظاري، هجم عليّ الأطفال بعفوية وحنان وعانقوني، “عموووو فررزتتت شن اخبارك”
يتحدثون الليبية بطلاقة :\
تعرفت على عمي حسن وعائلته، أخبروني أن الماء الساخن في الحمام بانتظاري، الحمام الساخن بعد اثنا عشر يوماً من التعب والقرف! منعش…ومنعس نوعاً ما! استغرقت في النوم مباشرة بعد الحمام.
عندما استيقظت كانت الوجبة الأولى في طرابلس “الكسكسي” تنتظرني مع المخلل السوري الرهيب..أكلت ولم أترك الملعقة أبداً خوفاً من العم حسن، كلما أهم بالقيام “عووود كوول”
أكلت عن عشرة أيام متتابعة..
رنّ الجرس..أنه العم حسام، صديق أبي الآخر، يدخل الغرفة وفي جعبته مفاجأة غريبة…