دخل من الباب ذلك الرجل الذي لا أذكره إلا من الصور، صديق والدي، الذي قضى مع أبي والعم حسن ثمانية عشر عاماً في ليبيا كالأشقاء.
نظر إليّ بعينين متفحصتين ثم قال باللهجة الحمصية المحببة “عمو فرزت، ما شكلك قابوني بالمرة، في شبه يعني بس مو كتير” وضحك بصوت عالٍ ، ابتسمت وسلمت عليه. جلس مع زوجته وأخذنا نتكلم عني وعن عائلتي وعن أخوتي، ذكريات عشرون عاماً في نصف ساعة من الوقت.
ابنه الكبير يتخرج هذه السنة من كلية الطب البشري من طرابلس، ابنه الأصغر في السنة الخامسة، أما الصغير فيدرس في كلية الهندسة، عائلة مثقفة، كأبيهم. تحدثنا عن سورية، والإمارات ورأيي في ليبيا ووضعها الحالي بعد انتهاء نظام القذافي، ثم ابتسمت زوجته وقالت لي “في مفاجأة مخبينها إلك، أنت فاضي بعد أسبوع؟” هززت برأسي موافقاً ، فأنا لست مشغولاً بأيّ شيءٍ حالياً”
ابتسمت وقالت لي “نراك الخميس بعد القادم إذاً”
كانت المشفى الجامعي قرب منزل العم حسن، فكنت أتمشى من البيت إلى هناك وأحضر الجلسات مع صديقي الديري، ثم أذهب إلى محل عمي، حيث بعت بعض المنتوجات! (قد أنفع كمدير تسويق ذات يوم، لا أدري!) وكانت أيامي تختلف من يوم إلى آخر، فيوم أقضيه عند العم حسن، ويوم مع مناف وعبدو و يوم أعود إلى صديقي الديري.
تعرفت في الجامعة على كثير من الشباب الليبي الطموح والمفكر والمهتم بتطور بلده.
أحد المواقف التي ترسم الابتسامة :
كنت في المشفى في بداية الدرس الصباحي قبل أن يبدأ الدرس، وجدت طالبة مع طفل صغير، اقتربت من الطفل وابتسمت له، ثم سألتها ” كم عمر أخيك الصغير؟”
ابتسمت وقالت لي” ليس أخي، بل هو ابني وعمره خمس سنوات” . هنا أصبت بالصدمة، طالبة سنة خامسة وابنها عمره خمس سنوات :\
طبعاً بعدها عرفت أن غالباً طلاب الطب كبيرو العمر هنا! فالديري 32 عاماً، وكثيرون كانوا أكبر من الخامسة والعشرين!
كانت الأيام جميلة، بين البيتزا المنزلية من صنع يد أم مناف، ودوام في المشفى والمحل..
حتى جاء يوم الخميس ، اتصل بي العم حسن وقالي لي “هل عندك بدلة رسمية؟”
وأنا كأي شخص عادي، أحمل بدلتي في كل مكان 😛
“نعم معي، لماذا؟”
“أحضرها وتعال إلى منزلي”
ذهبت إلى المدينة الجامعية، أحضرت الحقيبة التي تحوي البذلة، واتجهت إلى منزل العم حسن