لا تكتفي المياه بترسيب صخور وأصداف على الشواطئ التي تغطيها، بل أحياناً تأخذ تلك الأصداف نفسها لتلقيها في مكان آخر بعيد، مكان لم تتوقع الوصول إليه. لكن في تلك العملية تبقى الآثار، آثار وجودها  في ذلك المكان ولو للثوانٍ قليلة، نحن أيضاً كذلك..ترمينا أمواج الحياة من شاطئ إلى آخر، يلتقفنا شاطئ ليرمينا إلى آخر، ونترك آثراً ولو لمدةٍ بسيطة، أثر في حياة أشخاص عرفونا لمدة قصيرة، لأيام قليلة، شاركناهم فيها المحبة والأخوة، الألم والحزن أحياناً.
وربّما بعد سنين، ترمينا أمواج مختلفة إلى شواطئ جديدة قديمة، فعلى هذا الشاطئ نفسه التقيت بمن عرفوني منذ عشرين سنة، وعلى هذا الشاطئ أيضاً التقيت بأصدقاء فرقتنا عنهم الحياة أعوام أخرى.
هل تعرف شعور أن ينادي اسمك أحد في منتصف الشارع في بلدة أنت فيها غريب وليس لك فيها معارف؟
ذلك الشعور لا يُقدّر بثمن، شعور الوجود عند الفقدان التام، شعور البهجة في قمة البؤس.
نعرفهم، ثم نغادر لنلقاهم مرةً أخرى، ثم نودّعهم على أمل اللقاء.. على شاطئ آخر في بحر الدنيا الكبير.