هم لا يفهمون فعلاً…الجميع يحاول أن يبدو بمظهر الفاهم لكل شيء، الحاذق القادر على تحليل كل المُعطيات الوجودية والحسيّة وتلك التي تقبع وراء كل شيء..
أفتقد هدوء الضجيج حولي، أفتقد لمسات قطرات المطر على عنقي، أفتقد كلمات تدخل قلبي دون المرور تحت وصاية العقل،  فوق كل ذلك، أفتقد زرقة السماء وأشعة الشمس البيضاء..
أفتقد كل شيء قد اعتدته، لم تسنح لي الفرصة لأودّع أي شيء…اٌختطف كل شيء مني فجأة، فجأة أصبحت شخصاً جديداً، أصبحت…الشخص الواقف بجانب الحقيبة، كانت الحقيبة كل شيء..وكنت أنا “الكومبارس”..
هم لا يفهمون فعلاً، لا يعرفون الألم الناتج عن محاولاتك المتكررة لحساب المسافة الصحيحة بينك وبينهم، لإبقائهم على بعد مناسب، كي لا يؤلموك، وكي لا تؤلمهم..وكي تستطيع أن تبقى كما أنت..”منفصلاً عن كل شيء” تستطيع المغادرة والاختفاء دون ترك أي أثر..
هم لا يفهمون فعلاً، كم حاولت أن تدفن الألم المعشش فيك..وكيف يعود ليظهر دوماً..كيف تحاول أن تخبئه في علب قصديرية صغيرة وتحفظه بعيداً خشية أن يخرج فجأة ليجرح بقايا روحك المتهتكة..
هم لا يفهمون كم هو مؤلم أن تتحدث…وكم هو مؤلم أن تصمت..وكم هو مؤلم أن تشعر بكل ذلك مع كل نفس يدخل رئتيك…
هم لا يعرفون..كم هو صعب أن تثق بأحدهم…
لا أعرف… ربما أنا المخطئ…لذلك أقبع خلف طاولتي وحيداً، تتغذى عليّ مشاعر الكآبة والحزن…