أذكر يومًا كان حلمًا من أحلامي أن أدخل إلى قاعة المحاضرات في كليّة الطبّ في هارفارد، وأقوم بإلقاء التحيّة على الطلاب لأبدأ بإعطائهم محاضرةً جديدةً عن الأمراض العصبيّة والأبحاث التي نقوم بها في جامعتنا للقضاء على الزهايمر وباركنسون.  لم أكن فقط طبيبًا وباحثًا بل كنت أيضًا كاتبًا روائيًّا ومدافعًا عن حقوق الإنسان في كل أنحاء عالمنا الفسيح،  وودت لو أدرس القليل من علم الفلك إلى جانب الطب، هواية.

كان من أحلامي إيجاد طرق لتحسين حياة أولئك المصابين بأمراض مستعصية، جعل حياتهم تستحق التعب والألم الذي يشعرون  به في كل لحظة..
كان أحد أحلامي أن أجول العالم، أزور بلدانًا مختلفةً، أتعلّم لغاتها وعادات أهلها وأنغمس في ثقافات غريبةٍ وعجيبة.
لم أكن في أحلاميّ وحيدًا، كان عندي أصدقاء وعائلةٌ رائعون، شريكة حياةٍ وطفلان صغيران موهوبان في العزف على البيانو مثل والدهما.
ثم جاء الواقع، جميع الأحلام تنتهي عند حدود الواقع. كنت قد حققت خطوة في الطريق إلى أول أحلامي، دراسة الطبّ للتخصص في اختصاص الطبّ العصبي فيما بعد، لكن شاء القدر، واختفت الأحلام رويدًا رويدا. اختفى حلم الطبّ أولًا، بعد أن أصبحت مسافرًا لا أنتمي لشيء ولا لمكان، بدأ كل شيء آخر يضيع، وأصبح الموت هو العنوان، الموت والاكتئاب الدائمان.
كان لديّ صديقان قريبان من قلبي، أحدهما لا يستطيع محادثتي، والثاني اختفى…
فقدت الأمل في كلّ أحلاميّ السابقة، أردت فقط أن أجد مكانًا أعيش به كإنسان، لا أكثر.
مازال الواقع هو المسيطر، وأنا بيدقٌ حائرٌ بين أصابعه الغليظة، رغم ذلك أذكر قول درويش” بي أمل يأتي ويذهب، لكنّ لن أودعه” لا أريد توديع الأمل، رغم اسوداد كل شيء، ربما لن أصبح المحاضر في أرقى جامعات العالم، لكنّ مازال لي أملٌ أن أحقق شيئًا في هذا العالم، أن أترك أثرًا، أن يكون أفضل عندما أُوارى الثُرى.
ربّما رغم فقداني الأمل القديم، مازال أملي هذا غير منطقيًّا بالنسبة لشخصٍ في وضعي ومكانيّ الحاليّين، أعرف أنّ الحلم ليس مجانيًّا ويكلّف وقتًا وجهدًا، وحتى الآن لم أقم بذلك بشكلٍ جديّ، لكن..لا أعرف!
“أعلم أن الحياة سوداء، أعلم أنّها بغيضة ومليئةٌ بالناس الأشرار، لكن هذا لا يعني أن أكون منهم أو ألّا أحاول أن أعارضهم لترك ابتسامة على وجه أولئك الذين أحبّهم”.
شكرًا لاستماعكم لبعثرة كلماتي الضائعة 🙂