إنّها السادسة صباحًا، يستيقظ في سريره الموجود في زاوية الغرفة الكبيرة التي انتقل إليها مؤخرًا، هي كبيرةٌ فعلًا لكنّها بلا روح، كما يعتقد هو. تُضيء شاشة هاتفه برسالة تقول “صباح الخير”. كلمات صغيرة مثل هذه هي التي تجعل يومنا أكثر فرحًا وسعادةً. يلتقط أنفاسه، يسرع كاتبًا “صباح الفل والياسمين”. يعدّ القهوة التي يشربها كلّ صباح، لا يعرف لماذا فعلًا، قبل أن يأتي إلى مصر لم يكن من هواة القهوة أبدًا، الآن لابدّ أن يشربها ليستيقظ. يستحمّ، يكوي ملابسه ومعطفه الأبيض، يلتقط سماعته وبطاريته المخصصة لفحص أفواه الأطفال الصارخة “واااااااع” ثم ينطلق إلى المشفى.
ينتهي الدوام الصباحي الذي يستمر للساعة الثانية ظهرًا، يعود إلى المنزل، يطبخ ما تيّسر له من الطعام، يأكل على عجل، يتأمل هاتفه المحمول منتظرًا كلمةً أخرى بعد “صباح الخير” لكن لا حروف ولا نغمات ولا أشياء تظهر.
يُشغل حاسبه للانطلاق نحو عالم الفلك الذي يسيطر على دماغه حاليًا، يبدأ بالبحث عن موضوع جديد، الثقوب البيضاء، السوداء وغيرها…
يرن هاتفه، يلتقطه بسرعة، شركة الاتصالات اللعينة وعروضها المتكررة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع..
يقرأ لأمين معلوف عن الوطن والغربة والأشخاص ..هو يعتقد أنّ شخصًا واحدًا بإمكانه أن يكون لكَ وطنًا حين تُغلق جميع الأبواب.
كل شيءٍ كئيب وأسود، كلّ شيء محتوىً برائحة الموتِ الكريهة..
الوحدة صعبةٌ وقاتلة، الوحدة مخيفة، لا تعني الوحدة أبدًا أن تكون “وحيدًا في الغرفة” بل أن تكون وحيدًا هناك، في الأعلى ، في دماغك.
يُرسلُ رسالةً فيها نوعٌ من العتب، يتراجع، يضغط زر الإرسال. يعرف بعد ذلك أنّه قد ارتكب إحدى الخطايا الكبرى.
الكآبة، الثقب الأسود الوحيد الذي قابله وجهًا لوجه ولم يستطع الخروج منه، إنّه هناك عند أفق الحدث عالقٌ بين كلّ شيء وفي كلّ شيء.
هل تعرف ما هو الخوف من كلّ شيء؟ أن لا تقوم بشيء لأنّك تخاف من المستقبل الأسود؟ كيف ؟ لماذا؟ أين؟ متى؟ كلّ تلكِ الأسئلة التي تدور ببالك دون أي جواب؟
يقرأ تغريدةً قبل نومه، ليطير النوم من عينيه كليًّا.. يتقلّب في سريره، كلّ شيءٍ أسود، كلُّ شيء بلون الغرق.