الرحلة إلى كوبلنز

19.01.2017
استمع لهذه الأغنية في القطار، أنصحكم بالاستماع إليها

أنطلق صباحًا، الساعة العاشرة والنصف، القطار ICE السريع. أجلس في المقعد 73، أمامي تجلس فتاة صغيرة تبلغ السنتين من العمر، تتحدث وتلعب مع والدتها، أُخرج كتابي وأقرأ قليلًا.
في منتصف الطريق، يصعد صف كامل من الطلاب، رحلة جماعية. يدخلون ويأخذون جميع المقاعد المحجوزة باسمهم، فاضطر بذلك للانتقال إلى مكان آخر، أودّع الطفلة ووالدتها وأنطلق مرةً أخرى.
أصل إلى كوبلنز، المدينة عبارة عن متحف صغير، ليست بجمال باريس طبعًا، لكن هواءها البارد وألوانها الباردة تعطيك شعورًا غريبًا، بدأت بالمشي بحثًا عن المشفى الذي يتوجب علي التوجه إليه لتسجيل دخولي، والحصول على مفتاح غرفتي.
أصل إلى العنوان المطلوب، أنظر مرةً، ثم أعيد النظر كرةً أخرى، هل هذه فعلًا المشفى التي أبحث عنها؟

IMG_20170120_092922.jpg

المشفى الكاثوليكي- كوبلنز


 
 
تمر سيدة وتسألني إن كنت ضائعًا، أخبرها أنني أبحث عن المشفى الفلاني، تضحك وتقول “أنت أمامه فعلًا!” أدخل إلى المشفى الأثري، يستقبلني مسؤول الأمن ويسألني عن وجهتي.
“قسم العصبية من فضلك”

السيدة روكيس

منذ شهر ونيّف اتصلت بي السيدة روكيس. السيدة روكيس هي سكرتيرة قسم العصبية في المشفى الذي أرسلت طلب التدرب فيه، تكلمنا معًا وكانت لطيفةً جدًا، بل وأثنت على ألمانيتي الضعيفة.
اليوم، أقابل السيدة روكيس، امرأة خمسينية، طويلة القامة -أنا أبلغ من الطول حوالي 175 سم وأبدو قزمًا أمامها- شعرها الأحمر مُصفف بعناية واهتمام، ملابسها مهنيّة تدل على ذوقٍ واهتمام كبير، تمسك بيدها الحقيبة وتمشي في “كريدور” المستشفى.
أتوجه إليها وأعرفها بنفسي، تبتسم وتقول “oh! Herr Chayah!”
تدلني على قسم العصبية، ثم نمشي قليلًا وتحدثني عن المدينة، وتخبرني بأن أضع أغراضي في الغرفة وأنطلق لأزور المدينة وأتعرف عليها.
نزلت مع السيدة روكيس إلى الأسفل، ووصلنا إلى غرفة شؤون العمال، هناك تجلس سيدة أخرى، تعطينا السيدة ذات الشعر الأسود والابتسامة العريضة المفتاح، وتتمنى لي إقامة هانئة في كوبلنز.
أودع روكيس، أتوجه إلى الغرفة، يرافقني توماس، أخبره بمقابلتي وعند ذكر اسم الطبيب، يمسح جبهته و”يضغط لي الإبهام”.
أدخل الغرفة، الطابق الثامن، الغرفة السابعة. غرفة صغيرة، هادئة بإطلالة رائعة على معمل مرسيدس الصغير الموجود في كوبلنز، والدخان الأبيض الذي يغطي كوبلنز، والثلج الذي يعتلي أسقف الأكواخ والأبنية على مدى البصر. أحببت كوبلنز من النظرة الأولى.

الزاوية الألمانية ، إينسي وماريسا

هنا عليك أن تمشي فقط، وأن ترتدي الكثير من الملابس كي لا تشعر بالبرد، فقط امشي،انظر، تأمل ، انظر إلى النهر، إلى العشب الأخضر المكسو بالثلج الأبيض، ثم تصل إلى الزاوية الألمانية، Deutsches Ecke هنا يصب نهر موزيل في نهر الراين الكبير، هذه الزاوية هي رمز كوبلنز، وهنا تجد السياح الكثر، وفوقها يمر Seilbahn..مممم يمكننا اعتباره تلفريك؟ للأسف لم يكن هناك أي رحلات في الوقت الذي تواجدت فيه هناك، لذا استمريت في المشي والبحث عن مطعم لتناول الغذاء.


آه صحيح، بسبب صديقي العزيز شادي، وبعض الأفكار الأخلاقية الجديدة التي وضعتنا في إطار ضيق، أصبحنا “نباتيين” كتجربة، لمدة شهر على الأقل،  لا بأس..بل..الكثير من البأس؟
كل المطاعم تبيع اللحوم هنا، الدجاج والبرجر، وأنا أتضور جوعًا، خرجت من مركز تسوق إلى آخر،حتى وجدت محل بيتزا صغير في زاوية  قرب مركز المدينة، دخلته، المكان فارغ والسيدة التي تدير المكان تستمع للموسيقا الهادئة، طلبت بيتزا للنباتيين ..آخ يا زمن…(هي آخرتك يا فرزت؟ أتساءل).
بعد الانتهاء من البيتزا اللذيذة، أخبرت السيدة كم أحببت المدينة، وهي أخبرتني أنها تحبها، هي إينسي، من جورجيا، جاءت إلى ألمانيا منذ عشرين عامًا، عملت إينسي في كثير من المهن، رغم شهادتيها في الترجمة والتمريض، لكنها لم تستطع العمل في المجالين إلا بعد سنوات عدة، إينسي تتقن سبع لغات، إينسي ربت ولدها وحيدةً بعد موت زوجها بعمر الخامسة والعشرين، إينسي تتكلم بثقة وقوة كبيرتين..أنا احترم إينسي حقًا..أخبرتني إينسي أنها تعتبرني مثل ابنها، وتتمنى لي أن أتنقل لكوبلنز، لتعرفني إلى ابنها، الذي يبلغ السادسة والعشرين أيضًا، ووعدتني بأنها ستساعدني بتحسين لغتي الألمانية! وطلبت مني المرور بعد المقابلة غدًا، لأخبرها بالنتيجة…

“Du schaffst das ! “

أعود إلى الغرفة، أكتب المقابلة، تصححها إحدى الصديقات، أتحدث مع أصدقائي..وهنا..في هذا اليوم، تصلني معلومات عن سنتين سابقتين، عن كثير من الأشياء التي اعتبرتها حتمية، لتكون مجرد أوهام، وبعض الأوهام تصبح حقيقةً…كما هو غريب هذا العالم..كم جميلة هي كوبلنز.
آه نسيت أن أخبركم! ماريسا! الإيطالية\الفرنسية \الألمانية، شقراء قصيرة، لا تبدو ألمانيةً فعلًا، وتنطق “ريشتيج” بدلًا من ريشتيش. ربما أخبركم عن ذلك في مكان آخر..
أغمض عيني وأنام…أتمنى من كلّ قلبي أن يتم قبولي في كوبلنز..وأدعو من كلّ قلبي بكل أمل وإيمان.