لم نلتقي يومها، منذ سنوات عديدة، لكن بعد فراق طويل عدنا والتقينا في مدينة غريبةٍ عنا نحن الاثنين. في دماغي اشتغلت آلاف العصبونات لتحاول تخيّيل الموقف وكيف سنتقابل هناك، هل سنتعانق سويةً بعد طول غياب؟ أم سنكتفي بمصافحة نديّن خرجا خاسرين من حلبةٍ لم يربح فيها أحد؟ فكرت في لقائنا، هل نلتقي بعد كل ما كان؟ ربما لم أخبرك من قبل، لكن آخر كلامك لي جرحني جدًا، لم أعي حقًا وقتها أنّ المادة قد تكون الأهم أحيانًا، عندها فهمت اختياري الخاطئ، وكيف يمكن للشخص أن يعتقد أنّه يعرف من يجلس قباله، لكن حق المعرفة فقط عندما تبدأ الأموال بالتحدث.  تلك كانت آخر مرة لنا كصديقين عزيزين، اختلفنا بعدها، كنت حينها طالبًا، وقررت حينها أن أوصل ليلي بنهاري حتى لا أسمع الكلمات التي أسمعتني إياها.  بعدها قضيت أطول فترة في حياتي، التي أذكرها وحيدًا. ربما عليّ أن أشكرك، أعطيتني دافعًا للاستمرار، لتحديك حتى لو خرجت من حياتي نهائيًا. ها قد أصبحت هنا، أرسلت لي رسالةً تطلبين فيها لقائي، للمرة الأولى سنتقابل دون أيّ كيلوبايتات أو إلكترونات تحول بيننا،لأول مرة سنناقش الكتب والأفكار التي كنا نراجعها معًا في صياغة فلسفة حياتنا. لطالما تخيّلت أنّ قلبي لن يتوقف عن الاهتزاز والارجتاج حتى ألقاك، لكن لم يكن. حددنا موعدًا، وصلت هناك، رأيتني، كم نبدو مختلفين على أرض الواقع؟ كنت مختلفةً تمامًا، وقد أخبرتني أنني أبدو أقصر مما اعتقدت، لا بأس. تحدثنا كثيرًا، أو ربما أقل مما اعتقدت..لم نجد تلك الصفات المشتركة، هل ضاعت في طريقك إلى هنا؟ هل ضاعت عندما أضعت نفسك ووصلت؟ أم أنّها لم تكن موجودة؟ هل كنت صورةً في مخيلتي عمّا يجب أن تكون هي ؟ أم هل كنت شخصًا آخر؟ كم تخدعنا الشاشات يا صديقتي العزيزة، خدعتكِ وخدعتني، لم تكن قصتنا سوى قصةٍ قصيرة حزينة، طلبت منكِ حينها انتظاري، لكن لم تملكِ الوقت ولم أملك المقدرة، وأحمد الله كلّ يومٍ على هذه المفارقة. ربما لا نحصل على ما نريد لأنّ الحياة تعلمنا.. ليس ما تريده الأفضل لك أحيانًا، ففي الصحراء يرى العطشان واحات