في الفترة الأخيرة من حياتي تراكمت الأوراق والاتصالات في كل جانب. البحث عن منزل، الرد على بريد الدولة الألمانية مؤسساتها المختلفة، الاستمرار في تدريب القيادة (بيني وبينكم أكره القيادة بالسيارات العادية، الأوتوماتيكيّة أسهل وأفضل!). الكثير من الضغط، الكثير من التعب النفسي.

مفاجأة غير عاديّة

تدريب القيادة كالعادة. انتبه: اليمين قبل اليسار، هنا حد السرعة القصوى ٥٠ كم/ساعة هناك ٣٠. حق المشاة بالمرور، هنا لا يجب أن تنتظر المشاة، إن سمحت لهم بالمرور ترسب بالامتحان!
ثم رنّ الهاتف. يبدو أنّ أخ مدربي قد أغمي عليه في مكان قريب من وجودنا. الكثير من الأدرينالين، المواجهة أو الهرب، وانطلقت السيارة بسرعة..نظاميّة طبعًا، هل تريدون أن أقود كمجنون مع مدربي؟

وصلنا إلى عند السيد ت.، رجل في منتصف الخمسينات من العمر، يكتسي الشيب رأسه. كان واقفًا، متعب الوجه، يداه ترتجفان قليلًا. يرتدي قميصًا أزرقًا فوق بنطال الجينز. قطرات العرق تنصب بهدوء من جبته العريضة. نزلت من السيارة، عرفته عن نفسي، تذكرني. إذًا الوظائف الأساسيّة بخير.
فحصته عصبيًَا واقفًا، لم أجد أي مشكلة، قصّ عليّ ما حدث. كان واقفًا في الشمس، ثم أحسّ بصداع شديد في مقدمة الرأس. كل شيء أصبح أسود لمدة قصيرة، ثوانٍ معدودة. يده اليسار فقدت الإحساس، ثم أصابه عسر لفظ، أي خرجت الكلمات التي أراد قولها لكنّ بطريقة لم يعهدها.

“أركب السيارة، سنتوجه إلى المشفى”. ما حدث كان عبارة عن نقص تروية دماغية عابر ويختصر ك TIA. اتصلت بالمشفى، أخبرتهم أنّي قادم. شعور غريب، القيادة نحو المشفى هكذا، بلباسي العادي، دون ملابس بيضاء، دون مهام حقيقيّة.

العرش المفقود

وصلت إلى المشفى مع السيد ت. دخلنا الإسعاف، ابتسمت الممرضات بعد نظرة غريبة، ألم يغادرنا الشياح من قبل؟

سألت الممرضة عن طبيب العصبيّة المناوب، أخبرتني أنّ الاستشاري الدكتور ه. هو المسؤول، ابتسمت، د ه. هو من أفضل وأطيب الشخصيات التي عرفتها في المشفى. كان مشغولًا بعض الشيء، فأخذت الأمور بيدي.

“الضغط، رسم تخطيط القلب من فضلك يا كارو، سوزان فلنسحب الدم، أحتاج….” الضغط مرتفع، بيوتينسين من فضلك، ٢٤٠ ! ابرانتيل، الضغط ١٩٠.. الوضع جيد الآن.

تلك اللحظات التي عدت فيها إلى المشفى، أخبر الممرضة بما عليها فعله، تساعدني وتعطيني الأدوية التي يجب إعطاؤها للمريض، العودة لذلك العرش المفقود. لم أعتقد ولم أفكر أبدًا صراحةً أنّي قد أفتقد ذلك. شئنا أم أبينا، هناك سلطة كبيرة يمتلكها الطبيب بيده وصوته، لم أحس بها عندما كنت أعمل، أحسست بكامل قوتها عندما دخلت كشخص عادي وبدأت بتيسير الوضع داخلًا.

أعدت فحص المريض ثم توجهت للطبيب ه. الذي عانقني مستغربًا، ثم أخبرته عن الحالة، وابتسم “لم نخطئ في تعليمك أبدًا.” أخبرته أن يوصل السلام لجميع أطباء القسم، ما عدا س. لا أحب س. تلك قصة أخرى!

سلمت على السيد ت. قبل خروجي وطمنه بأنّ ه. سيقوم بالمتابعة، للأسف سيبقى بضعة أيام في المشفى، لكن هذا مهم، فنقص التروية قد يتبعه خلال أول خمسة أيام جلطة حقيقية، تنتهي بموت خلايا دماغنا الغالية.

عدت إلى المنزل، مستغربًا مما حدث. سأعود إلى العمل قريبًا، لكن هذه المرة كطبيب نفسي، هل سأنجح بذلك؟ أنا خائف جدًا، أصدقكم القول، ولا أعلم إن كانت الخطوة جيّدة أم لا، ما الذي سيحصل؟ سنتابع ذلك في الحلقات..آه..تبًا، لم نصوّر الحلقة القادمة بعد.

مصدر الصورة: Pixabay