مرحبًا يا أصدقاء، كما قرأتم لن تكون التدوينة عودةً لرحلتنا، هذه المرة سأحدثكم مجددًا عن مناوبتي/نبطشيتي الأخيرة.

الهاتف اللعين يرّن مجددًا

بمجرد وصول هاتف المناوبة المحمول إلى يدك يبدأ الرنين ولا ينتهي حتى بداية اليوم الثاني..في بعض الأحيان.

الاتصال الأول، الساعة الثانية عشرة ظهرًا: “نريد استشارة نفسية لتقدير إن كانت المريضة تعاني من الخرف.”
أوكي! فلنذهب إلى قسم القلبية ولنرى.

السيدة باء، تبلغ من العمر 95 عامًا، وصلت إلى المشفى بعد اشتباه بجلطة دماغية أو التهاب تنفسي. الأعراض كانت شلل نصفي، تراجع بعد فترة، إضافة إلى سعال مستمر وارتفاع معاير الالتهاب في الدم.
اقتربت من السيدة المستلقية في سرير العناية المركزة. سيدة قصيرة، تنظر إلى التلفاز بعينين تحملان عمرًا وحكمةً كبيرة، عبر نظارةً سوداء كبيرة. التجاعيد تزين جبهتها، والشعر الابيض يتدلى عليها يُسرة.
“مرحبًا سيدة باء، كيف الحال؟”
“أوه! لم أرك منذ من بعيد! زوجي اتصل بك كثيرًا ولم ترد!”

طيب، بعد حديث طال لخمس دقائق لم تتصل جملة بتاليتها تبين لي أن السيدة تعاني من الخرف وتحتاج لرعاية قانونيّة. بعد قراءة التقارير السابقة تبين لي أن المريضة كانت موجودة في المشفى قبل ستة أشهر، وكانت بكامل وعيها! مفاجأة كبيرة لي.

موضوع الرعاية القانونية هنا صعب جدًا، عليك أن تحدد من يستحقها والمدة التي يستحقها، فالراعي يستطيع تحديد قبول العمليات الجراحية، المعالجة الطبية، إلخ…

اتصلت بالاستشاري وأخبرته بما وجدت، ورأيي أنها تحتاج رعاية قانونية بلا شك، لكن كيف أفسر التدهور السريع؟ كل ما خطر ببالي هو رد فعل بعد الجلطة الدماغية، وغالبًا ما تكون في القسم الخلفي من الدماغي (الفص القفوي.)
وقررنا حينها اقتراح الرعاية القانونية المؤقتة لمدة ستة أشهر، خلالها يجب تشخيص الخرف عصبيًا. (صورة دماغية، بزل قطني، تخطيط دماغي، وفحوص عصبيّة نفسية لتشخيص الخرف.)

وبعد كتابة كل ذلك ورقيًا يجب توقيع الورقة، فهي الآن وثيقة قانونيّة ليس سهلًا التخلص منها. في جميع هذه الحالات أذكر دومًا اسم الاستشاري بالإضافة لاسمي، فأنا لست “طبيبًا مختصًا” حتى الآن.

يمشون بدون رؤوس كالأحياء الأموات

الساعة الثالثة ليلًا، شاب في منتصف العشرينات، يرتدي الجينز وقبعة رمادية، يحك ذقنه وينظر بخوف يمنةً ويسرة. الحل؟ اتصل بطبيب النفسيّة!

استيقظت وذهبت إليه، جلس مقابل الإسعاف ينظر بخوف وحذر مع كلبه الصغير…الكبير..أنا أخاف من الكلاب ..و الأزرار. بدأ يحدثني عن المجزرة التي تجري في بيته، قطعوا رؤوس أصدقائه، الناس تمشي بدون أيدي أو أنوف..يا للهول..

وبعد سؤاله عن تعاطيه المخدرات كان الجواب: القليل من الامفيتامين والماريوانا بشكل يومي لمدة ثلاثة أيام دون نوم.

وطبعًا كان من المهم التخلص من الكلب قبل استقباله في القسم، وانتظرنا نحو نصف ساعة حتى وصول أمه التي أخذت الكلب. اقترب الشاب مني وهمس في أذني: “لا أعتقد أنّ هذه أمي…” تبًا للمخدرات.

زوجي يخونني يا دكتور

الساعة السادسة مساءً، يرن الهاتف اللعين مجددًا. الإسعاف يسألني إن كنت أعرف السيدة ج. أنا لا أعرفها، لكن الممرضة تعرفها بالتأكيد.

السيدة ج. في السابعة والثمانين من عمرها، تم قبولها قبل أسبوع وخُرجت اليوم الساعة الخامسة. قبل زميلي المريضة لأنها كانت تشكل تهديدًا لزوجها، البالغ من العمر تسعين عامًا.

كيف تسألون؟ تهدده بالقتل بسكين! لماذا؟ لأنه ينام مع فتاة بعمر ثلاثين سنة في بيتها. طبعًا بعد الحديث مع ابنتها وحفيدتها تبين لنا أنّها ترى هذه السيدة منذ سبع سنين، السيدة التي لا يراها أحد غيرها.

المشكلة في الموضوع كله، أنّ السيدة ج. دائمًا ما تكون هادئة ولطيفة ومبتسمة، ولم تكن عنيفةً أبدًا في أي لحظة في القسم.

نظرت إلى الممرضة مجددًا…يبدو أننا سنقبل السيدة ج. مجددًا.

اسرع من فضلك، المريض لا يتحدث

الساعة التاسعة ليلًا، الممرضة تتصل وتتحدث بصوتٍ خافت:”أسرع من فضلك.” ركضت إلى القسم. السيد ت. على الكرسي، في حالة إغماء.

أسوأ ما في قسم النفسية هو صعوبة الوصول إلى الأدوية اللازمة لرفع الضغط بشكلٍ سريع. فحصت المريض سريعًا، كان يستيقظ، ولاحظت بعدها خزل القسم الأيسر من جسمه.

تعاملت دومًا مع السكتات الدماغية من قبل، لكن لم تحصل سكتة دماغية أمامي مباشرةً. دائمًا ما يصلني المريض إلي وأقوم بتقييم الوضع، هنا اختلف الأمر تمامًا. اتصلت بفريق الإسعاف وطبيب العصبية لأبلغه بحاجتي لاستشارة طارئة.

بعد وصول فريق الطوارئ تحسن ضغط المريض وتناقصت درجة الخزل بشكلٍ واضح.

ودعني السيد ت. وذهب إلى قسم العصبيّة، حيث أجروا له صورةً مقطعية واستقبلوه هناك لمعرفة سبب السكتة.

أما الآن علي أن أذهب للنوم…لا مزيد من الجلطات اليوم.

الصورة البارزة: جبل طارق من أعلى، كي لا تنسوا المغامرة.