سؤال الهوية صعب وخطير. ويرجع الأمر إلى تعريف الفرد نفسه للهوية، هل يقصد الهوية الاجتماعية أم الثقافية أم الوطنية.

وُلدت في طرابلس الغرب في ليبيا، وعشت هناك كمغترب لست سنوات، وفي المدرسة تُم التعريف بي دومًا “الطالب السوري”. لا أملك ذكريات كافية عن تلك المرحلة العمرية، ولكن أعرف أنّي كنتُ دومًا مختلفًا. وبسبب طبيعة تنقلنا، بين طرابلس وتونس كان علي التواصل مع الأطفال باللغة العربيّة الفصحى، كوني لا أفقه اللهجة التونسيّة للأسف.

سنوات عمري الأهم كانت في سوريا، حيث تعرفت على وطني وتعلمت في مدارسه وجامعته وكونت أول صداقاتي في عمر المراهقة. ولكون أهلي سوريين كان من السهل جدًا نسيان اللهجة الليبية والعودة للهجة “القابونيّة” السورية.

أعتقد أن دراستي الجامعة في سوريا أثرت جدًا علي، فنشاطاتي هناك، واندماجي في الهيئات الطلابيّة ساعدني في قبول سوريتي كهوية شخصيّة، وميولي الإسلاميّة دفعتني أيضًا إلى تقبل الهوية العربيّة الإسلاميّة.

هذه المرحلة: بين السادسة عشرة والعشرين هي من أهم المراحل في اعتقادي لتكوين شخصية الإنسان وفكرته عن الهوية. وهنا أعتقد أن زوجتي التي عاشت معظم سنوات هذا العمر في السعودية وألمانيا تعاني من مشكلة الهوية، ففي الخليج لم تكن منهم، وهنا هي أيضًا ليست أوربيّة. حس الانتماء المفقود يدفع الشخص باستمرار للبحث عنه، وقد ينجح في تقبّل الحضارة والثقافة التي نقل إليها، أو يختار اعتناق ثقافة أهله، أو ربما يدمج بين هذا وذاك للوصول إلى ثقافة إنسانيّة.

للبحث عن تجارب شخصيّة أكبر أعتقد أن قراءة أمين معلوف مفيدة جدًا. أمه من طنطا (مصريّة) هو لبناني ويحوز الجنسية الفرنسية ويكتب بالفرنسية. التائهون والهويات القاتلة تتحدث عن مواضيع الهوية والحرب وترك البلدان.

وصولي إلى مصر لم يغير من شيء تقريبًا في هويتي، ففكرتي عن الهوية كانت ثابتةً ومترسخة بكوني أنتمي لمنطقة بلاد الشام. أحببت مصر وأهلها وثقافتها، لكن كنت أعرف أنّي لستُ مصريًا.

انتقالي إلى ألمانيا شكّل عقدة، فهنا تظهر عقدة النقص ضد الرجل الأبيض، ذلك المبدع والفنان والثائر والبرجوازي والملك والقيصر. نظرة البيض، ولنكن محقين ليس جميعهم وربما أقلية منهم الآن، إلى الآخرين تبقى نظرة من يجلس على سطح مرتفعٍ. أنت الإنسان الحنطي، الأسمر، الأسود سترقى إلى مستوانا بتعلم لغتنا وتعلم عادتنا وتقاليدنا. وربما، ربما، خُدعت بهذا الشيء أولًا، فلديهم الكثير من الصفات الحميدة والعادات الجيدة، لكن هذا موجود في كل الثقافات. لا توجد ثقافة سيئة بالكامل أو جيدة، كلّ مافي الأمر أن العادات والتقاليد ترتبط بالحالة الاجتماعية والتاريخية والجغرافية للشعب المُوَلد للثقافة.

اليوم أعتبر نفسي في أوروبا عربيًا، وأحاول تمثيل ثقافتي بأفضل شكلٍ ممكن، وسأعمل قدر الإمكان على الحفاظ على الثقافة العربية والإسلامية كجزء من هويتي، رغم عدم اتفاقي مع كل ما فيها.

وفي النهاية أتطلع إلى يوم تسود فيه ثقافة الإنسان، حيث يكون الإنسان هو الأهم وليس بلده أو ثقافته، فليتحلى كل إنسان بالثقافة أو العادات التي يريدها ولا يكن ذلك عبارةً عن “مشعار” لتقييمه جيدًا كان أم سيء.

نُشرت هذه الإجابة لأول مرة على كورا.

مصدر الصورة البارزة.