يندفع جويل (جيم كيري) نحو محطة القطار مبتعدًا عن عمله وباتجاه مونتاوك، مُحركًا بقوة لا يفهمها، فهو ليس شخصًا مُندفعًا أو متهورًا.

في القطار يتفقد جويل مذكراته، يبدو أنّه لم يدون أيّ كلمة لعامين، يتساءل عن السبب مندهشًا، يبدو أننا سنعرف السبب معه لاحقًا.

هناك على الشاطئ يلتقي كليمنتاين (كيت وينسليت) بشعرها الأزرق ويركبا معًا في نفس القطار، في عيد الحب، الفلانتاين.

في التدوينة التالية حرق لأحداث فلم “ضوء الشمس الأبدي على العقل الساطع”

الخطوط الزمنية المختلفة

كما في الكثير من أفلام الخيال العلمي، لا يوجد خط زمن واحد في هذه القصة، نبدأ من الوقت الحاضر لنعود إلى الماضي دون أي تحذير.

ربما التحذير الوحيد هو قول كليمنتاين أنّها تغير لون شعرها بشكل مستمر. نعيش مع جويل وكليمنتاين في علاقة تتردى، هو يخشى خيانتها، وهي تشكو غيرته وشكوكه، وبين الحين والآخر تسأله عن رأيه بها، “هل أنا جميلة؟”

يقرر جويل الاعتذار منها ويحضر لها هدية في عيد الحب، وعندما يذهب إلى مقر عملها في المكتبة تنظر إليه متجاهلةً إياه، بل ولا تستطيع التعرف عليه. يكتشف جويل فيما بعد أنّ كليمانتاين حذفته من ذاكرتها بوساطة خدمات شركة لاكونا. طبعًا لاكونا تعني “الفراغ”.

يمكنك تفقد موقع العيادة على الويب، طبعًا الموقع وهمي ولكن الفكرة ممتازة.

يتجه جويل للطبيب المسؤول عن العملية، ويطلب منه الحصول عليها، فقد قرر الانتقام من كليمانتاين بنسيانها. يحذر الطبيب ميرزفيك جويل من العملية ومن مخاطرها، فهي كما يقول “تسبب أذىَ دماغيًا، لا يختلف عن أذى الثمل.”

– جويل باريش

لتنفيذ الإجراء، ينام المريض ويرتدي خوذة، يستطيع التقني بوساطتها مشاهدة أماكن الذكريات المتعلقة بكليمنتاين في دماغه، والتي فُحصت سابقًا، حيث تُضيء المناطق المحتفظة بهذه الذكريات ويبدأ الجهاز بحذف الذكريات واحدةً تلو الأخرى.

ننتقل هنا إلى أحلام جويل، فكل ذاكرة تُمحى يعيشها جويل أثناء نومه، لتُعدّل وتُمحى منها كليمنتاين. ونعيش هنا مجددًا القصة الحقيقية للقاء الأول للاثنين، وكما في اللقاء الذي شهدناه في بداية نشاهد كليمانتاين التلقائية التي لا تتردد في أخذ قطعة الدجاج من صحن جويل دون استئذانه.

خلال الذكريات المختلفة يستعيد جويل حبّه لكليمنتاين ويصرخ بأعلى صوته مطالبًا بإيقاف العملية، إنه يرغب في بقاء الذكرى رغم الألم. وينقلنا المخرج بسريالية من ذكرى لأخرى في مشاهد أقل ما يُقال عنها أنّها رائعة. أعرف أني لن أنصف الفلم، فأنا لست ناقدًا سينمائيًا، ولكن يجب القول أنّ المشاهد وتصويرها مميزة.

وقبل انتهاء العملية، يدرك جويل أن الإحباط مصير محاولاته إخفاء كليمنتاين في ذكرياته المختلفة. ويقبل حينها الاستمتاع بالوقت المتبقي معها، حتى لو كان العدم مصير العلاقة بينهما.

بعد الخروج من الحلم

يستيقظ جويل من العملية ناسيًا كل شيء، ونعود هنا إلى بداية الفلم أثناء توجه جويل إلى عمله، ثم اندفاعه بطريقة عجيبة إلى مونتاوك دون أن يدري ما الأمر، ليلتقي كليمنتاين من جديد.

هنا نفهم اختفاء الصفحات المفقودة، فهو مزقّها كما أمره الطبيب قبل البدء بالعملية.

للأسف تتلقى كليمنتاين رسالة من العاملة السابقة في عيادة لاكونا تحوي شريطًا مسجلًا (هل تذكرون هذه الأشياء؟) لتسمع نفسها واصفةً جويل بالكئيب، الممل، وحجزه وكبته لها.

يصل شريط مماثل إلى جويل، ويسمع فيه النواحي السلبيّة التي رآها في كليمنتاين. في النهاية تودعه كليمنتاين وتقرر الذهاب بعيدًا، لكنه يلحق بها، ويدعوها للبقاء فههما يلتقيان مجددًا بعد فقدان ذكراتهما.

يبدو أنهما مقدران لبعضهما، رغم أن اندفاع كليمنتاين واكتئاب جويل سيدفع الاثنين بعيدًا عن بعضهما، لكن لوقت قصير سيحبان بعضهما مجددًا. ليكون عودًا أبديًا مجددًا.

مايكل غوندري وتشارلي كاوفمان، دالي الفن السينمائي؟

يعتمد غوندري المدرسة السريالية في الفن، ويعمل حاليًا مع كيري على مسلسل تلفزيوني يُسمى Kidding. لم أشاهد المسلسل بعد، لكنه على قائمة المشاهدة بالتأكيد.

ويُعرف عن غوندري إخراجه أغاني بعض الفرق الغنائية المشهورة مثل راديو هيد ودافت بانك. يجرؤ غوندري على استخدام الألوان بشكلٍ مختلف ليدمج بين الحقيقة والخيال، بين الحلم والواقع، كما في الفلم.

ربما يتجلى استخدام غوندري للأدوات والإشارات الصارخة في فيديو Knives Out لراديو هيد. هنا فيديو آخر يشرح طريقة غوندري في العمل.

ولن ننسى الكاتب تشارلي كاوفمان، والذي كتب أفلامًا أغرب كالفلم المعروف “أن تكون جون مالكوفيتش” والذي يدخل فيه الممثل الرئيس نافذة ليصبح فعلًا الممثل مالكوفيتش.

من أعمال كاوفمان الممتازة الأخرى “تأقلم” و”أنوماليزا”.

عن الاضطرابات النفسيّة والأخلاقيات

يعاني جويل كما يبدو من الاكتئاب، فهو لا يستمتع بأي من النشاطات التي يمارسها، كما تبدو حياته رتيبة للغاية. ولنقل درجة خفيفة من الاكتئاب عكسها المخرج بألوان شقته وملابسه. وقد يكون سبب ذلك انتهاء علاقته بخطيبته نعومي كما قال في بداية الفلم.

أما كليمنتاين، فيبدو أنّها تظهر أعراض اضطراب الشخصية الحديّة، فهي تسأل وتخاف من رؤية الآخرين لها، هل هي جميلة؟ هل هي بشعة؟ وتسعى بشكلٍ مستمر لكسب رضى الآخرين خوفًا من تركهم إياها.

ويتجلى الاضطراب بإقدام المريض على إجراءات عنيفة خوفًا من الفراق، بل وقد يرى المريض شريكه للحظة ما إلهًا وفي التالية شيطانًا رجيمًا.

يتميز المرضى بميلهم لمعاقبة أنفسهم لشعورهم بعدم أهميتهم بالأذية الذاتية والرغبة والميل إلى الانتحار.

هل من الأخلاقي تقديم خدمة مسح الذكريات؟

في اضطراب ما بعد الصدمة يعاني المريض من مساوئ ومشاعر وأعراض مزعجة وأليمة قد ترهقه وتمنعه من الحياة بشكلٍ طبيعي ولكن الحل لا يكمن في “نسيان” الصدمة أو الحادثة بل في تغيير رد الفعل والسلوك والتعامل مع هذه الذكريات.

لا أعتقد أن النسيان يجعل الأمور أفضل، بل يحرمنا من فرصة التعلم للتعامل مع المواقف المشابهة مستقبليًا بل ومساعدة الآخرين.

هل شاهدتم الفلم؟ ما رأيكم به؟ شاركوني آرائكم في التعليقات.

للاستزادة:

مصدر الصورة البارزة: يوتيوب