القفز من فئة لأخرى يبدو مرعبًا من بعيد، لكن عندما تجتاز العتبة فإنك لا تشعر بأيّ تغيير.

تذكرت قول صديق لي، طبيب سلوفاكي، عندما اجتاز فحص الاختصاص:

في البداية شعرت بوجوب قدرةٍ جديدة بعد تخطي الامتحان، كأن أطوّر قدرات جديدة، لكني اكتشفت أنني، أنني أنا!

دينيس

قد يبدو القول مضحكًا، وهو كذلك، ولكنه يملك في جوهره حقيقتنا، نحن تجاربنا وماضينا، ومهما حاولنا التخلي عنهما فإننا سنفشل.

لن أكون أستاذًا مدرسيًا، (ملاحظة: كنت أستاذًا لفترةٍ قصيرة) بل سأستعرض لكم بعض الدروس، المفيدة ربما، لما تعلمته خلال الثلاثين سنةً الماضية. (تبًا، مرةً أخرى، ثلاثون؟)

الدرس الأول: المستحيل موجود

قد يحدثك الكثيرون ممن يظهرون على منصة تيد أن المستحيل مجرد فكرةٍ في رأسك، للأسف ذلك ليس حقيقيًا. ستصادف في حياتك الكثير من العوائق وستقارع الكثير من المستحيلات.

“لن أخسر عملي، أنهم يحتاجونني”، “لن أغادر منزلي وبلدي أبدًا”. مُستحيلات مؤقتة ستضطر لمواجهة زوالها. تجهز وتسلح بالأمل.

الدرس الثاني:الأمل سلاحُ ذو حديّن

دون أمل نموت، حرفيًا. أحيانًا نحتاج للأمل، حتى الكاذب منه، للاستمرار في دفع أنفسنا إلى الأمام. الكثير من الأمل قد يعني أحيانًا الكثير من “المسؤولية”، والتي إن لم تُطابق قدرات الشخص تُحطمه.

الدرس الثالث: المسؤولية والحريّة

التوازن بين المسؤولية والحرية صعب ولكنه اختياري. يدرك المرء المسؤولية في عمر مبكر، في بداية سنوات المراهقة عندما يدرس لنفسه، ويختار لنفسه ما يريد البدء أولًا، هل أدرس الجغرافيا أم التاريخ بدايةً؟

وبمرور الأيام تزداد المسؤولية تعقيدًا، هل أريد قيادة السيارة؟ (حرية) إذًا يجب أن أحصل على شهادة القيادة وأتبع تعليمات المرور (مسؤولية).

الحرية الكاملة والمسؤولية المعدومة موجودة فقط لدى الأطفال، تَثقل كفّة المسؤولية بالتدريج، وفي العشرينات من عمرك تقرر بشكلٍ واعٍ كيفية ثقلها وما هي المسؤوليات التي قد تتحملها. وقد تعطيك المسؤوليات الكثير من الحريّة، ولكن تعدد المسؤوليات يوقع الفرد في النهاية مُتخبطًا بينها.

وقال أسلافنا في المثل “بطيختين ما بينشالن بإيد واحدة.”

الدرس الرابع: المفاجآت عنصر أساسي.

لا تقلق، لا أتحدث عن المفاجآت السارة هنا. وهنا أقتبس من مورفي قانونه الأول

إذا توفرت الإمكانية لشيء سيء ان يحدث، فسوف يحدث.

ستستمر المفاجآت بالحدوث، اليوم وغدًا وبعده، ومن المهم أن تكون مستعدًا قدر الإمكان. السوريون يعرفون ما أقصد.

الدرس الخامس: المبادئ مهمة

البحث في الحياة عن المبادئ لتقلّدها وحمايتها والاحتماء بها أمر طبيعي.

ستتراوح قدماك في البحث بين طريق الدين والدنيا. وستضيع كثيرًا وتصل أحيانًا. احمِ مبادئك، لكن لا تُقدّسها. لا شيء فوق النقد، ومُنحة النقد مهمة في تطوير المنطق والفكر، بل أزيدك أكثر: انقد مبادئك ورَ صمودها وقدّرها.

الدرس السادس: اسعَ ولا تستسلم

ستواجهك الكثير من المشاكل في الحياة، قد تخسر كلّ شيء، لكن عليك الاستمرار.

الاستمرار أهم من كلّ شيء، ربما الشيء الوحيد المهم في الحياة. بعد ثلاثين عامًا من الصراع المُستمر، تفقد الكثير من الطاقة، وربما اليقين أيضًا، لكن من المهم ألا تتوقف.( ملاحظة ذاتيّة*).

الدرس السابع: الاكتئاب جزء من الحياة

اللحظات السوداوية جزء من الحياة، وقد تعتقد بزوالها في مرحلةٍ ما، لكنّنا دائمًا نتملك ما نخسره. أن يتحول ذلك إلى اضطراب نفسي هو أمر ممكن. التعامل معه هو المختلف حينها.

لم أعرف قوة الاضطراب وأثره علينا، حجرٌ ثقيل على صدرك يمنعك من التنفس، وعندما تمشي تحمله على ظهرك، في كل مكان، لا يفارقك أبدًا.

أحيانًا تُساعد الأدوية، وأحيانًا أخرى تجد نفسك على حافة الموت، على حافة الهاوية. تتساءل في تلك اللحظات “هل أنا حقًا هنا؟ ما الذي جلبني إلى هذا الاستنتاج؟”

الموت هو الحل الأسهل لمشاكل الحياة العويصة، لكنه ليس الأفضل.

الدرس الثامن: لا تتوقف عن التعلم.

العلم هو أكسجين الحياة، كلما كبرت تعلمت أكثر، لا تتوقف. في الطب لا تستطيع حقًا التوقف، إن توقفت سبقك القطار وفاتك تمامًا.

حاول أن تتعلم شيئًا جديدًا باستمرار، ولو كان بعيدًا عن اختصاصك الوظيفي، فربما يفيدك لاحقًا.

الدرس التاسع: الأصدقاء نعمة.

أنا إنسان انطوائي بامتياز، أستطيع البقاء في المنزل دون تواصل مع أي بشري لمدة طويلة. لكن وجود أشخاص مميزين في حياتك، يمكنك الاستناد عليهم لا يُقدّر بثمن.

قد يتناقص عدد الأصدقاء مع التقدم في العمر، ولكن لا بأس. هناك أشخاص أعرفهم منذ عشر أو خمس عشرة سنة، ومازالوا أصدقاء نتكلم ونتراسل وأحيانًا، إن سنحت الفرصة، نلتقي. وهناك أشخاص تفقدهم.

في النهاية تتعلم أن تقتصد في صداقاتك، كما تقتصد في أموالك، لتتعلم أن عشرة أصدقاء حقيقين أفضل من مائة على الفيسبوك.

الدرس العاشر: لا تقتصد بالشكر

كيف تشعر عندما يقول لك أحدهم شكرًا؟ أو يثني عليك ببعض الكلمات؟ شعور جميل رغم استمراره للحظات معدودة. لا تُضيعه على أحد عندما تمتلك الفرصة.

أن تقول شكرًا لمريضك، أو لأخيك أو لزوجتك. عامل الناس كما تُحب أن تعامل. أعلم أن انتظار الشكر “مكروه”، ولكنّه يعزز العلاقة ويزيد من إفراز تلك الهرمونات والأنزيمات الدماغية التي تجعل حياتنا جحيمًا أو جنة.

لذا أشكر أحمد على كتابة اسمي بالشكل المميز. وليونس لإضافته لاسمي في لوحة امتنانه.

كان من الصعب الكتابة مجددًا، لكن المحاولة تبقى سيدة الموقف. ثلاثون! فهمت قصدك يا جوي أخيرًا.