أكثر من عام ونصف على وجود فيروس كورنا المُستجد بيننا، أعداد الإصابات ونسب الوفاة والأعراض التي تترواح بين “لا شيء” إلى وداع الأهل والأحبة. كلّ هذه المشاكل التي تصبّ الزيت على النار المشتعلة بهدوء، دون معرفة متى ستنفجر.

قصة قصيرة

أضع القثطرة الوريديّة في الوريد الرأسي للسيد ب، إنها المرة الثانية خلال هذا الأسبوع. يرقد ب. في السرير منذ قرابة أسبوع ونصف بانتظار موعد نقله لمشفى إعادة التأهيل، فقد أصيب في منتصف آذار بسكتة دماغيّة في منطقة المهاد الأيسر، ليفقد بذلك القدرة على تحريك الجانب الأيمن من جسده، ويعاني من عسر الكلام. أكلمه وأسأله عن يومه.

المهاد

المهاد أو الوطاء

ماذا يجول في رأس السيد ب؟ الذي ينظر كل يومٍ إلى السقف الأبيض، ثم يرى أشخاصًا مختلفين يدخلون غرفته، أشخاصًا لا يملكون من الوقت شيئًا، أحدهم يرتدي الزي الأزرق والآخر الأخضر والثالث الأبيض. كلمتان أو ثلاث، ربما يبقى مع المعالج الفيزيائي فترةً اطول، نصف ساعة أو أكثر بقليل. ثم يعود السيد ب ليستلقي في سريره أو ينظر إلى السقف مجددًا.

أمام السيد ب طاولةٍ صغيرة، عليها تقويم السنة، والمميز بها صورها. طبع ولده صوره وصور ابنته، حفيدة ب، عليها، وكتب على كل صفحة جملة وتمنيات قلبيّة لوالده. أسأل السيد ب عن ابنه وحفيدته، يبكي السيد ب، فهو لم يرهم منذ وصوله المشفى.

لا زيارات

أتفهم بكل صدق قوانين المشفى، والتي تمنع دخول الأقارب والعائلة إلى الشعبة المرضية لزيارة قريبهم. لكن أدى ذلك إلى زيادة نسبة الاكتئاب بعد السكتة الدماغيّة في الشعبة. وأعتقد، دون وجود أرقام أو نسب محددة، أنّ ربع المرضى في شعبة الجلطات الدماغية يتداوون بمضادات الاكتئاب!

حتى لو كنت حاصلًا على اللقاح، فإن دخول المشفى ممنوع، لا زيارات. بل حتى نحن، الطاقم الطبي، يتوجب علينا فحص أنفسنا على الأقل مرتين في الأسبوع للتأكد من خلونا من الفيروس اللعين.

لا أسرّة لمرضاك

بعد تعرض المريض لسكتة دماغيّة، يدخل المشفى فإما يحصل على العلاج الحال للخثرات في حال وصوله في النافذة الزمنيّة المناسبة (وهي تتغير بين الحين والآخر والتعريف الأخير لها حسب علمي 4,5 ساعة)، وبعد إنهاء الإجراءات التشخيصية لمعرفة سبب السكتة في الجهاز القلبي الوعائي ننقل المريض لمشفى تأهيلي، يمارس فيه المريض التمارين تحت مراقبة المعالجين اللغويين والفيزيائيّن بشكلٍ مستمر ومراقب حتى يستعيد القسم الأكبر من الوظائف التي فقدها، وفي حالة السيد ب هي حركة القسم الأيمن من جسده وعسر الكلام. ويبقى المريض هناك بين ثلاثة وستة أسابيع، حسب سرعة تقدمه.

في مقطع الفيديو أدناه تشاهدون مثالًا تطبيقيًا عن التأهيل.

وكورونا؟

بعد كورونا امتلأت المشافي حتى مشافي التأهيل بحالات كورونا، ولم تستقبل مرضانا بالسرعة المرجوة. نحن نريد نقل المريض بالسرعة الأمثل بعد استقراره إلى مشافي التأهيل كي لا تتيبس العضلات وتضمر، وعادةً تبلغ هذه المدة أسبوعًا أو عشرة أيام. الآن ننتظر أكثر من أسبوعين للحصول على موعد! إذًا كورونا لا تأثر فقط على المصابين بها، بل على المصابين بجميع الأمراض التي تحتاج لتأهيل بعدها، وعلى صحتهم النفسيّة وعلى صحة أهاليهم وأسرهم وعلى عاتق الأطباء الذين يعانون في الاتصالات والصراخ المستمر مع الموظفين المسؤولين عن عملية النقل. اللوم كلّه يحمله الفيروس اللعين.

الأمل

لا يوجد حل سريع، اللقاح يشكل جزءًا من الحلّ، على أن يحصل عليه قسم كبير من الناس. نعم لا توجد دراسات كافيّة ولن توجد، الحالة طارئة ونحتاج لحلٍ لوقايتنا ووقاية أهلنا. الموجة الثالثة من الفيروس بدأت في ألمانيا والأسرة في شعب العناية المركزية تكاد تنضب، والفئة المصابة أمست أصغر عمرًا. أقف عاجزًا عن تقديم حلٍ، ولست الوحيد، ولكن لا بد من التعاون المستمر بيننا جميعًا للوصول إلى الضفة الأخرى، أو على الأقل التعامل مع الفيروس والمرض بحذرٍ، فربما يرافقنا مدةً طويلة.

وكما يقول الألمان:

ابقوا سالمين!

Bleib Gesund!

مصدر الصورة البارزة